وصايا الرسول لزوج البتول ::: 226 ـ 240
(226)
    يا علي ، آفةُ الحديثِ الكذب (15) ، وآفةُ العلِم النسيان ، وآفةُ العبادِة الفَتْرَة ، وآفةُ السّماحةِ المَنّ (16) ، وآفةُ الشّجاعةِ البَغي (17) ، وآفةُ الجمالِ الخُيَلاء ،

    ومنها حديثه فيما أوصى به الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ( لا عبادة كالتفكّر في صنعة الله عزّوجلّ ).
    ومنها ما رواه الصيقل قال ، قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) ، تفكّر ساعة خير من قيام ليلة ؟
    قال ، نعم ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، تفكّر ساعة خير من قيام ليلة.
    قلت ، كيف يتفكّر ؟
    قال ، يمرّ بالدور الخربة فيقول ، أين بانوكِ ؟ أين ساكنوكِ ؟ ما لكِ لا تتكلّمين (1) ؟
    (15) أغلب هذه الفقرة أيضاً ورد في وصيّة الفقيه المتقدّمة فراجع.
    (16) السماحة هو الجود والبذل في العسر واليسر (2).
    وآفته المنّ بأن يمنّ على من جاد عليه. ويقول له مثلا ، ألم أعطك ؟ ألم اُحسن إليك ؟ وزاد بعده في المحاسن ، « وآفة الظرف الصلف » أي أنّ آفة الظرافة في الكلام هي الصلافة والعنف.
    (17) الشجاعة هي شدّة القلب عند البأس ، وآفتها البغي أي الفساد والظلم فإنّ مكرمة الشجاعة ينبغي أن تكون مع العدل والإنصاف ، كما كانت في الأولياء المتّقين الهداة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.

1 ـ بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 314 ، ب 8 ، الأحاديث 5 و11 و16.
2 ـ سفينة البحار ، ج 4 ، ص 268.


(227)
وآفةُ الحَسَبِ الفَخر (18).
    يا علي ، عليك بالصِّدقِ (19) ولا تَخْرج من فيكَ كِذبةٌ أَبداً ، ولا تجترأَنَّ على خيانة أبَداً (20) ،

    (18) الحسب هي الشرافة بالآباء ، وآفته هي المفاخرة والمباهاة بها.
    وزاد هنا في المحاسن قوله :
    « يا علي ، إنّك لا تزال بخير ما حفظت وصيّتي ، أنت مع الحقّ والحق معك ».
    (19) الصدق في الكلام هو مطابقته للواقع ، والصدق في الوعد هو الوفاء به.
    والصادق حقّاً هو من يصدق في دين الله نيّةً وقولا وعملا (1).
    وقد عقد ثقة الإسلام الكليني باباً في الحثّ على الصدق وأداء الأمانة ، وذكر أحاديث أنّ الله عزّوجلّ لم يبعث نبيّاً إلاّ بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البَرِّ والفاجر ، وأنّ من صَدَقَ لسانه زكى عمله ، وأنّ علياً ( عليه السلام ) إنّما بلغ ما بلغ به عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بصدق الحديث وأداء الأمانة فلاحظ (2).
    (20) الخيانة هي مخالفة الحقّ بنقض العهد في السرّ ، وهي نقيض الأمانة (3).
    فكلّ ما كان نقضاً للعهد سرّاً فهي خيانة سواء أكان في الدين أم في المال أم في الأهل أم في غيرها.
    وقد عقد العلاّمة المجلسي في ذمّها باباً من الأحاديث منها قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، « من خان أمانةً في الدنيا ، ولم يردّها إلى أهلها ثمّ أدركه الموت مات على غير ملّتي ، ويلقى الله وهو عليه غضبان » و « الأمانة تجلب الغنا ، والخيانة تجلب الفقر »

1 ـ مجمع البحرين ، ص 437.
2 ـ اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 104.
3 ـ مجمع البحرين ، ص 556.


(228)
والخوفِ من اللّهِ كأنّكَ تراه (21) ، وابذِلْ مالَكَ ونفسَك دونَ دينِك (22) ، وعليكَ بمحاسنِ الأخلاقِ فاركبْها (23) ، وعليكَ بمساوىءِ الأخلاقِ فاجتنْبها.
    يا علي ، أحبُّ العملِ إلى اللّهِ ثلاثُ خصال ، من أتى اللّهَ بما افتَرضَ عليه فهو من أعبدِ الناس ، ومن وَرِعَ عن محارِم اللّهِ فهو من أورعِ الناس ،

و « ليس منّا من خان مسلماً في أهله وماله » (1).
    (21) ومبدأ الخوف من الله تعالى هو معرفة عظمة الخالق ووعيده ، وتصوّر أهوال البرزخ والقيامة ، وإدراك قهره وعقابه.
    فيلزم الخوف من الله تعالى خوف من يشاهده بعينه ، وإن كانت هذه الرؤية مستحيلة ، إلاّ أنّ رؤية الله تكون بالقلوب ولم تره العيون بمشاهدة الأبصار بل رأته القلوب بحقائق الإيمان وفي حديث إسحاق بن عمّار قال ، قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) ، « يا إسحاق خف الله كأنّك تراه ، وإن كنت لا تراه فإنّه يراك ، وإنْ كنتَ ترى أنّه لا يراك فقد كفرت ، وإنْ كنتَ تعلم أنّه يراك ثمّ برزت له بالمعصية فقد جَعلْتَهُ من أهون الناظرين عليك » (2).
    (22) فإنّ بقاء الدين يُفدّى بالنفس والنفيس والمال والمنال ، فيُبذل المال والنفس في سبيل الدين.
    (23) يقال ، رَكبَ الأمر أي فعله ـ وهذا أمر بإتيان المحاسن الأخلاقية ـ وما بعده أمرٌ باجتناب المساويء الأخلاقية.

1 ـ بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 170 ، باب 58 ، الأحاديث.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 70 ، ص 355 ، باب 59 ، ح 2.


(229)
ومن قَنَع بما رزقُه اللّهُ فهو من أغنى الناس (24).
    يا علي ، ثلاثٌ من مكارمِ الأخلاقِ ، تصلُ من قطَعَك ، وتُعطي مَن حَرَمك ، وتعفو عمّن ظَلَمك (25).
    يا علي ، ثلاثٌ منجيات (26) ، تكفُّ لسانَك ، وتبكي على خطيئتِك ، ويَسَعُك بيتُك (27).
    يا علي ، سيُّد الأعمالِ ثلاثُ خصال ، إنصافُك الناسَ من نفسِك ، ومساواةُ الأخِ في اللّه ، وذكُر اللّهِ على كلِّ حال (28).
    يا علي ، ثلاثةٌ من حُلَلِ اللّه (29) ،

    (24) جاءت هذه الفقرة في وصيّة الفقيه المتقدّمة ، فلاحظها مع بيانها في الهامش.
    (25) مرّ مضمون هذه الفقرة في وصيّة الفقيه.
    (26) أي توجب النجاة ، وتقتضي الخلاص من المعاصي والعقوبات.
    (27) أي كفّ اللسان عمّا حرّم الله النطق به ، والبكاء على الخطيئة والإستغفار منها ، والإستقرار في البيت.
    (28) مرّت هذه الخصال في وصيّة الفقيه أيضاً تحت عنوان ، ثلاث خصال لا تطيقها هذه الاُمّة فراجع.
    (29) الحُلَل جمع حُلّة كقُلل وقُلَّة هو الثوب الساتر للجميع كالإزار والرداء ، وجاء في المجمع ، أنّه لا يكون حلّة إلاّ من ثوبين أو ثوب له بطانة (1) ، ووسامات الشرف الآتية يعني ، زَور الله ، وضيف الله ، ووفد الله حلل إلهية تُمنح للطوائف الآتية.

1 ـ مجمع البحرين ، ص 469.

(230)
رجلٌ زار أخاه المؤمن في اللّهِ فهو زَوْرُ اللّه (30) وحقٌّ على اللّهِ أن يُكرَم زَوْرَه ويعطيهِ ما سأَل ، ورجلٌ صلّى ثمّ عقَّبَ إلى الصلاةِ الأُخرى (31) فهو ضَيْفُ اللّهِ وحقٌّ على اللّهِ أن يُكرَم ضيفَه ، والحاجُّ والمعتمرُ فهما وَفْدُ اللّهِ (32) وحقٌّ على اللّهِ أن يُكرمَ وَفْدَه.
    يا علي ، ثلاثٌ ثوابُهنَّ في الدنيا والآخرة (33) ، الحجُّ ينفي الفقر (34) ، والصّدقةُ تدفع ...

    (30) فاعل من الزيارة يقال ، زائر وزَوْر وزَوّار ، أي الزائر والقاصد.
    (31) التعقيب في الصلاة هو الجلوس بعدها لدعاء أو مسألة فيُعقّب إلى صلاة اُخرى ما بين الصلاتين مثل ما بين الظهر والعصر ، وما بين المغرب والعشاء.
    وقد ورد للتعقيب فضائل كثيرة في أحاديث وفيرة فلاحظ فضله (1) وما يستحبّ من التعقيبات (2).
    (32) الوفد هم القوم يجتمعون ويَرِدون البلاد ، واحدهم الوافد وفي الدعاء ، أنا عبدك الوافد عليك ، أي الوارد القادم إليك (3).
    (33) فيستفيد العامل بهنّ فوائد الدنيا قبل مثوبات الآخرة.
    (34) كما تلاحظه في أحاديث عديدة بأنّ الحجّ والعمرة ينفيان الفقر والذنوب (4).

1 ـ بحار الأنوار ، ج 85 ، ص 313 ، باب 36.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 86 ، ص 1 ـ 193 ، باب 38 ـ 65 ، الأحاديث.
3 ـ مجمع البحرين ، ص 231.
4 ـ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 74 ، باب 38 ، ح 43.


(231)
البليّة (35) ، وصلةُ الرَّحِمِ تزيدُ في العُمر (36).

    (35) كما تلاحظ مفصّل ذلك في أحاديث باب فضل الصدقة وأنواعها وآدابها (1).
    جاء فيها أنّ الصدقة تطفىء غضب الربّ ، وأنّها تدفع ميتة السوء ، وأنّها يداوى بها المرضى ، وأنّها يُستنزل بها الرزق ، وأنّها تدفع الهدم والسبُع ، وأنّها تزيد في العمر ، وتعمّر الديار ، وتنفي الفقر ، وتدفع القضاء المبرم ، وأنّها تسدّ سبعين باباً من الشرّ ، وأنّها تُخلِّف البركة ، وأنّها تدفع الخوف ، وتوجب أمان الله تعالى ، وتُنجي من اليوم العَسير ، وأنّ من تصدّق بصدقة فله بوزن كلّ درهم مثل جبل اُحد من نعيم الجنّة ، وأنّ من تصدّق إذا أصبح دفع الله عنه نحس ذلك اليوم ، وأنّ صدقة الليل تطفىء غضب الربّ وتمحو الذنب العظيم وتهوّن الحساب. وأنّ مَلَك الموت يُدفَع إليه الصّك بقبضِ روح العبد فيتصدّق ، فيُقال له ، رُدّ عليه الصّك.
    (36) كما تلاحظ ذلك في أحاديث باب صلة الرحم وإعانتهم والإحسان إليهم والمنع من القطع (2).
    جاء في بعضها أنّ الرجل ليصل رحمه وقد بقى من عمره ثلاث سنين فيصيّرها الله عزّوجلّ ثلاثين سنة ، وإنّ الرجل ليقطع رحمه وقد بقى من عمره ثلاثون سنة فيصيّرها الله ثلاث سنين. وصلة الرحم تهوّن الحساب ، وتُنْمي العدد ، وتُنمي المال ، وتُزكّي الأعمال ، وتدفع البلوى ، وتسمّح الكفّ ، وتحسّن الخلق ، وتطيّب النفس ، وتحبّب المرء في الأهل ، وتقي من مصارع السوء ، وأنّ من مشى إلى ذي قرابة بنفسه وما له ليصل رحمه أعطاه الله عزّوجلّ أجر مائة شهيد ، وله بكلّ خطوة

1 ـ بحار الأنوار ، ج 96 ، ص 111 ، باب 14 ، الأحاديث.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 87 ، باب 3 ، الأحاديث.


(232)
    يا علي ، ثلاثٌ من لم يكنَّ فيه لم يَقُمْ له عمل (37) ، وَرَعٌ يحجزهُ عن معاصي اللّهِ عزّوجلّ ، وعلمٌ يَرُدّ به جهلَ السفيه ، وعقلٌ يداري به الناس.
    يا علي ، ثلاثةٌ تحت ظلِّ العرش يومَ القيامة (38) ، رجلٌ أحبَّ لأخيه ما أحبَّ لنفسه ، ورجلٌ بلغهُ أمرٌ فلم يقدمْ فيه ولم يتأخّرْ حتّى يعلَم أنّ ذلك الأمرُ للّهِ رضىً أو سَخَط (39) ، ورجلٌ لم يَعَبْ أخاهُ بعيب حتّى يُصلَح ذلكَ العيبَ من نفسِه ، فإنّه كلّما أصلَحَ من نفسِه عيباً بَدا لهُ منها آخر ، وكفى بالمرءِ في نفسِه شُغلا (40).

أربعون ألف حسنة ، ويُمحى عنه أربعون ألف سيّئة ، ويُرفع له من الدرجات مثل ذلك ، وكان كإنّما عَبَد الله مائة سنة صابراً محتسباً.
    (37) أي لا يستقيم عمله ، ووردت هذه الفقرة في وصيّة الفقيه أيضاً ، إلاّ أنّ فيها لم يتم عمله ، أي كانت أعماله غير كاملة أو غير مقبولة لتأثير الورع في الطاعات ، وتأثير الحلم والعلم في المعاشرات.
    (38) وهو أشرف موضع من حيث السمو والكرامة والراحة في ذلك المشهد العظيم ، واليوم الرهيب.
    وتلاحظ معنى العرش في كتاب التصحيح (1) ، وتفصيل بيانه في الحديث الشريف (2).
    (39) فيقدم على ما فيه رضا الله ، ويتأخّر عمّا فيه سخط الله تعالى.
    (40) وبهذا يعلم أنّه لا يعيب أخاه أبداً ودائماً بواسطة إشتغاله بعيوب نفسه وإصلاحها.

1 ـ تصحيح الإعتقادات ، ص 75.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 58 ، ص 1 ، باب 1 ، الأحاديث.


(233)
    يا علي ، ثلاثٌ من أبوابِ البرِّ (41) ، سخاءُ النّفسِ ، وطيبُ الكلام ، والصبرُ على الأذى.
    يا علي ، في التوراةِ أربعٌ في جنبهِنّ أربع (42) ، من أصبحَ على الدنيا حريصاً أصبحَ وهو على اللّهِ ساخِط (43) ، ومن أصبحَ يشكُو مصيبةً نزَلتْ بهِ فإنّما يشكُو ربّه (44) ، ومن أتى غنيّاً فتضَعْضَعَ لهُ (45) ذهَب ثُلثا دينِه ، ومَن دخَل النارَ من هذه الأُمّةِ فهو مَنْ اتّخذَ آياتِ اللّهِ هُزُواً ولَعْباً (46).
    أربعٌ إلى جنبهِنّ أربع ، من مَلِكَ استأثَر (47) ،

    (41) البرّ ـ بالكسر ـ ، إسم جامع للخير كلّه ، وهذه الثلاثة المذكورة أبواب وطرق للخيرات الكثيرة.
    (42) أي متقارنات ، فبوجود كلّ منها يوجد قرينه.
    (43) فإنّه إذا كان حريصاً وهمّه وجهده الدنيا غضب إذا حُرِم من شيء منها فيكون ساخطاً غير راض من الله تعالى الذي هو القاسم.
    (44) فانّ الشكوى والشكاية هي الإخبار بسوء الفعل ويلزم أن تكون الشكوى إلى الخالق لا الخلق ، ثمّ المفروض هو الإسترجاع والصبر عند المصيبة لا الشكاية حتّى يكون شاكياً ربّه.
    (45) أي خضع له وذلّ لغناه.
    (46) أي أنّه إذا اتّخذ آيات الله هزواً ولعباً قارنه دخول النار.
    (47) الإستيثار هو الإنفراد والإستبداد ، يُقال استأثر بالشيء أي استبدّ به ، وطبيعة الملوكية وعزّتها توجب الإستبداد بالرأي إلاّ من عصمه الله تعالى وأعانه ووفّقه.



(234)
ومَن لم يَستشِرْ ينَدم (48) ، كما تدين تُدان (49) ، والفقرُ الموتُ الأكبرُ (50) فقيل له ، الفقرُ من الدينارِ والدِّرهم ؟ فقال ، الفقرُ من الدّين.
    يا علي ، كلُّ عين باكيةٌ يومَ القيامة (51) إلاّ ثلاثة أعين ، عين سَهَرتْ في سبيلِ اللّه (52) ، وعينٌ غَضَّتْ عن محارمِ اللّه (53) ،

    (48) فإنّ الإستشارة من العاقل بحدودها كما مرّ توجب البصيرة في الأمر والرشد في العمل ، فإذا لم يستشر لم يكن فعله على بصيرة فيوجب تعقّب الندامة.
    (49) فمن دان الناس بالمعروف أُحسن إليه ، ومن دان الناس بالسيّئة أُسيء إليه ، والدنيا مزرعة يحصد فيها كلٌّ ما يزرعه إنْ كان خيراً فخير وإنْ كان شرّاً فشرّ ، فكما تدين تُدان.
    (50) أي أنّ الفقر يقارنه الموت الأكبر.
    لا الفقر بمعنى الإحتياج إلى المال الذي هو شعار الصالحين ، بل الفقر بمعنى إعواز الدين الذي هو أشدّ من القتل ، وأسوء من الموت لأنّه المؤدّي إلى الهلاك الاُخروي فهو الموت الأكبر للإنسان.
    فلاحظ لهذا المعنى أحاديث الباب وقد تقدّمت الإشارة إليها ، وتدبّر في نفس رواية الوصيّة وصراحتها.
    (51) فإنّ هول المطّلع وخوف الحساب يوجبان الحزن والبكاء.
    (52) السَّهَر ـ بفتحتين ـ ، هو عدم النوم في الليل كلّه أو بعضه ، فلا تبكي عين باتت ولم تنم في طريق طاعة الله تعالى كالعلم ، والعبادة ، وتلاوة القرآن ، وسلوك الحجّ والزيارة ونحوها.
    (53) الغضْ هو عدم النظر ، يقال غضّ بصره أي خفضها ولم ينظر ، فلاتبكي عين لم تنظر إلى ما حرّم الله النظر إليه وأمر بغضّ البصر عنه.



(235)
وعينٌ فاضَتْ من خشيةِ اللّه (54).

    (54) فاض الماء أي سال وجرى ، وفاضت عينه بالدموع أي سالت ، فلا تبكي عين سال دمعها من خوف الله تعالى.
    ولا يخفى في المقام ورود الأحاديث الاُخرى المتظافرة في فضل البكاء لمصيبة الأئمّة النجباء أيضاً ، خصوصاً خامس أصحاب الكساء صلوات الله عليهم في جميع الآناء.
    ففي حديث الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، « من تذكّر مصابنا وبكى لما اُرتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذُكِّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ... » (1).
    وفي حديث الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، « كان علي بن الحسين ( عليه السلام ) يقول ، أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) دمعةً حتّى تسيل على خدّه بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً ، وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه فينا لأذىً مسَّنا من عدوِّنا في الدنيا بوّأه الله بها في الجنّة مبوّأ صدق ، وأيّما مؤمن مسَّه أذىً فينا فدمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه من مضاضة ما اُوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار » (2).
    وفي حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) في فضل البكاء على الإمام الحسين ( عليه السلام ) جاء قوله :
    « ... وما عينٌ أحبّ إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه ، وما من

1 ـ بحار الأنوار ، ج 44 ، ص 278 ، باب 34 ، ح 1.
2 ـ كامل الزيارات ، ص 100 ، باب 32 ، ح 1.


(236)
    يا علي ، طُوبى (55) لصورة (56) نَظَر اللّهُ إليها وهي تبكي على ذنب لم يَطّلع على ذلك الذّنب أحدٌ غيرُ اللّه.
    يا علي ، ثلاثٌ موبقات (57) وثلاثٌ منجيات ، فأمّا الموبِقات ، فهوىً متّبع ، وشُحٌّ مُطاع ، وإعجابُ المرء بنفسه ، وأمّا المنجيات ، فالعدلُ في الرِّضا والغَضب ، والقصدُ في الغنى والفَقر ، وخوفُ اللّهِ في السرِّ

باك يبكيه إلاّ وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه ، ووصل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأدّى حقّنا ، وما من عبد يحشر إلاّ وعيناه باكية إلاّ الباكين على جدّي فانّه يحشر وعينه قريرة والبشارة تلقاه ، والسرور في وجهه ، والخلق في الفزع وهم آمنون ، والخلق يُعرَضون وهم حُدّاث الحسين ( عليه السلام ) تحت العرش وفي ظلّ العرش ، لا يخافون سوء الحساب ، يقال لهم ، اُدخلوا الجنّة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه.
    وانّ الحور لترسل إليهم انّا قد إشتقناكم مع الولدان المخلّدين ، فما يرفعون رؤوسهم إليهم ، لما يرون في مجلسهم من السرور والكرامة.
    وإنّ أعداءهم من بين مسحوب بناصيته إلى النار ، ومن قائل ، ( ما لَنا مِنْ شافِعين ولا صَديق حَميم ) ... » (1).
    (55) طوبى في الأصل إسم شجرة الخير المعروفة في الجنّة ويُدعى بها لطيب العيش ولبلوغ الخير ، وللوصول إلى أقصى الاُمنيّة والأمل ، وقد تقدّم ذكرها في وصيّة الفقيه فلاحظ.
    (56) الصورة وجمعها صُوَر كغرفة وغُرَف هي وجه الشيء ، أي طوبى لوجه نظر الله إليه وهو يبكي على ذنبه الذي لم يطلع عليه إلاّ الله تعالى.
    (57) أي مهلكات وقد مضت هذه الخصال في وصيّة الفقيه فراجع.

1 ـ بحار الأنوار ، ج 45 ، ص 207 ، ب 4 ، ح 13.

(237)
والعَلانية كأَنّك تراهُ فإنْ لم تكن تراهُ فإنّه يَراك.
    يا علي ، ثلاثٌ يَحسُنُ فيهنّ الكِذب (58) ، المكيدةُ في الحرب ، وعِدَتُك زوجتَك ، والإصلاحُ بين الناس.
    يا علي ، ثلاثٌ يقُبح فيهِنّ الصدق (59) ، النّميمةُ ، وإخبارُك الرّجلَ عن أهلِه بما يكره ، وتكذيبُك الرجلَ عن الخير.
    يا علي ، أربعٌ يذهبن ضَلالا (60) ، الأكلُ بعد الشبع ، والسِراجُ في القَمر ، والزرعُ في الأرضِ السَّبْخة ، والصَّنيعةُ عند [ غير ] أهلِها (61).
    يا علي ، أربعٌ أسرعُ شيء عقوبةً (62) ، رجلٌ أحسنتَ إليه فكافأكَ بالإحسانِ إساءة ، ورجلٌ لا تبغي عليهِ وهو يبغي عليك ، ورجلٌ عاقدتَه على أمر فمن أمْرِكَ الوفاءُ له ومن أمرِه الغدُر بك ، ورجلٌ تَصلُ رحمَه ويقطعُها.

    (58) تقدّمت أيضاً في وصيّة الفقيه ونبّهنا على أنّ حسن الكذب فيهنّ لدوران الأمر بين الأهمّ والمهمّ ، وإرتكاب أقلّ القبيحين في باب التزاحم الذي هو المجوّز والمحسّن للكذب عَرَضاً ، وإن كان أصل الكذب قبيحاً لولا هذا المحسِّن ذاتاً.
    (59) فإنّ هذه الاُمور الثلاثة وإن كانت متضمّنة للإخبارات الصادقة إلاّ أنّها يترتّب عليها المفسدة.
    (60) تقدّمت في وصيّة الفقيه أيضاً وجاء فيها يذهبن ضياعاً أي تلفاً وبلا فائدة فتكون من الإسراف.
    (61) أي الصنع والإحسان إلى غير أهله.
    (62) تقدّمت أيضاً في وصيّة الفقيه مع إختلاف يسير.



(238)
    يا علي ، أربعٌ مَنْ يكُنَّ فيه كُمَل إسلامُه ، الصدقُ ، والشكُر ، والحياءُ ، وحسنُ الخلق (63).
    يا علي ، قلّةُ طلبِ الحوائج من الناسِ هو الغِنى الحاضِر ، وكثرةُ الحوائجِ إلى الناسِ مَذلّةٌ وهو الفقرُ الحاضر (64) (65).

    (63) فإنّها من جوامع صفات الخير في الدين الحنيف ، بحيث ورد فيها الحديث عن مولانا الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، « أربع من كُنّ فيه وكان من قرنه إلى قدمه ذنوباً بدّلها الله حسنات ، الصدق ، والحياء ، وحسن الخُلُق ، والشكر » (1).
    إشارة إلى قوله تعالى : ( إلاّ مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلا صالحاً فاُولئكَ يُبَدّلُ اللّهُ سيّئاتِهمْ حَسَنات وكانَ اللّهُ غَفُوراً رَحيماً ) (2).
    (64) فإنّ خير الغنا غنى النفس ، ونفس عدم السؤال من الناس استغناء عنهم ، فيكون قليل الطلب غنيّاً بالفعل ، وكثير الطلب محتاجاً بالفعل ..
    ولذلك كانت قلّة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الموجود ، وكثرة طلب الحوائج من الناس هو الفقر الموجود وإن كان صاحب الطلب كثير ذات اليد.
    ونفس قلّة السؤال توجب العزّة عند الناس ، وقطع الطمع يوجب العون من الله وتيسير الحوائج.
    وفي حديث عبدالأعلى بن أعين قال ، سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول ، « طلب الحوائج إلى الناس إستلاب للعزّ ، ومذهبة للحياء ، واليأس ممّا في أيدي الناس عزّ

1 ـ اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 107 ، ح 7.
2 ـ سورة الفرقان ، الآية 70.


(239)
.........................

للمؤمن في دينه ، والطمع هو الفقر الحاضر » (1).
    نعم السعي في طلب حوائج المؤمنين الآخرين مطلوب مرغوب بل هو باب مندوب فلاحظ أحاديثه الكثيرة (2).
    وأمّا بالنسبة إلى حوائج شخصه ونفسه فالمطلوب فيه الإستغناء عن الناس ، وقلّة الطلب منهم .. بل اليأس عمّا في أيديهم كما تلاحظه في الأحاديث (3) ، خصوصاً ما رواه شيخ الطائفة بسنده عن حفص قال ، قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) ، « إذا أراد أحدكم أن لا يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه فلييأس من الناس كلّهم ، ولا يكون له رجاء إلاّ من عند الله ( عزّوجلّ ) ، فإذا علم الله ( تعالى ) ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه ... » (4).
    (65) جاءت هذه الوصيّة المباركة في تحف العقول ، ص 6 ، ورواها عنه العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ، ج 77 ، ص 61 ، ب 3 ، ح 4 ، وقد وردت الفقرة الاُولى منها في نزهة الناظر للشيخ أبي يعلي الجعفري تلميذ الشيخ المفيد ، ص 8 ، والمحاسن للشيخ البرقي ، ص 16 ، ح 47.
    وفيها وصيّتان اُخريان تأتيان تباعاً إن شاء الله تعالى.

1 ـ اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 148 ، ح 4.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 283 ، باب 20 ، الأحاديث.
3 ـ بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 105 ، باب 49 ، الأحاديث.
4 ـ أمالي الطوسي ، ص 36 و110 ، ح 38 و169.


(240)
    التحف ، روى الشيخ المحدّث الفقيه الحرّاني أيضاً في تحف العقول وصيّة اُخرى مختصرة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) جاء فيها :
    يا علي ، إنّ للمؤمنِ ثلاثَ علامات ، الصيامَ والصلاةَ والزكاةَ (1) ، وإنّ للمتكلِّف (2) من الرجالِ ثلاثَ علامات ، يتملّق (3) إذا شَهِد ، ويغتابُ إذا غاب ، ويَشْمِتُ (4) بالمصيبة.
    وللظالم ثلاثُ علامات ، يقهرُ مَن دونَه بالغَلَبة (5) ، ومَن فوقَه بالمعصية ، ويُظاهرُ الظَّلَمة (6).

    (1) فإنّها من دعائم الإسلام ، وأركان الدين ، ولا تجد مؤمناً واقعياً يترك ما وجب من الصلاة والصوم والزكاة ، وكذلك الحجّ والولاية التي هي الدعائم الخمسة.
    (2) المتكلِّف هو المتصنِّع والذي يتعرّض لما لا يعنيه كمن يدّعي العلم وليس بعالم ، ويتصنّع الزهد وليس بزاهد.
    (3) التملُّق هو التودّد والتلطّف باللسان بما ليس في القلب ، والتزلّف لإنسان بوجه لا يتّصف به في الواقع.
    (4) الشماتة هو السرور بمكاره الأعداء والفرج بمصائبهم.
    (5) أي يتغلّب على من هو أضعف منه ، ويتفوّق عليه بتخسيره وإستخدامه.
    (6) المظاهرة هي المعاونة ، والظهير هو العون.
وصايا الرسول لزوج البتول ::: فهرس