وصايا الرسول لزوج البتول ::: 256 ـ 270
(256)
والكَزْبُرة تثيرُ الحيضَ في بطنها (8) وتُشدِّد عليها الولادة ، والتفاحُ الحامِض يقطعُ حيضَها فيصيرُ داءً عليها ، ثمّ قال :
    يا علي ، لا تجامعْ امرأَتَك في أوّلِ الشهرِ ووسطِه وآخرِه ، فإنّ الجنونَ والجذامَ والخبلَ (9) ليُسرعُ إليها وإلى ولدها.
    يا علي ، لا تجامعْ امرأَتك بعدَ الظهر ، فإنّه إنْ قضي بينكما ولدٌ في ذلك الوقت يكون أحول والشيطانُ يفرحُ بالحَوَلِ في الإنسان (10).
    يا علي ، لا تتكلّمْ عند الجماع فإنّه إن قُضيَ بينكما ولدٌ لا يُؤمَن أنْ يكونَ أخرس ، ولا يُنظَرنّ أَحدٌ إلى فرج امرأتِه ، وليغُضَّ بصرَه عند الجماع ، فإنّ النظَر إلى الفرج يورث العمى في الولد.
    يا علي ، لا تجامعْ امرأَتك بشهوةِ إمرأةِ غيرِك ، فإنّي أخشى إنْ قُضي بينكما ولدٌ

    (8) أي تهيّجه ، والثوران هو الهيجان ، وفي الإختصاص ( تبور الحيض ) أي تهلكه ، من البوار بمعنى الهلاك.
    (9) الخَبَل بفتحتين هو فساد العقل والعضو كما يستفاد من المجمع (1). وفي الإختصاص ( البرص ) بدل الخبل.
    (10) الحَوَل بفتحتين هو إنحراف العين ، وهو قد يكون في أصل خلقة الإنسان أو عارضاً عليه بسبب مثل تشنّج الأغشية الدماغية وجذبها للطبقة الصلبية من العين (2).

1 ـ مجمع البحرين ، ص 471.
2 ـ القرابادين ، ص 536.


(257)
أن يكونَ مخنَّثاً أو مؤنَّثاً (11) مُخَبلا (12).
    يا علي ، من كانَ جُنباً في الفراش مع امرأتِه فلا يقرأ القرآنَ فإنّي أخشى أن تنزلَ عليهما نارٌ من السماء فتحرقُهما (13).
    يا علي ، لا تجامعْ امرأتَك إلاّ ومعك خرقةٌ ومع أهلك خرقة ، ولا تمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة ، فإنّ ذلك يعقّب العداوةَ بينكما ثمّ يؤدّيكما إلى الفُرقة والطَّلاق.
    يا علي ، لا تجامعْ امرأتَك من قيام فإنّ ذلك من فعلِ الحمير ، فإنْ قُضي بينكما ولدٌ كان بوّالا في الفراش كالحمير البوّالةِ في كلِّ مكان.
    يا علي ، لا تجامعْ امرأَتك في ليلةِ الأضحى (14) فإنّه إنْ قُضي بينكما ولدٌ يكونُ له ستُ أصابع أو أربعُ أصابع.

    (11) المخنّث هو من يوطىء في دبره ، والمؤنث هو من يحبّ ذلك.
    (12) في البحار جاء بدله ( بخيلا ) لكن في الإختصاص ( متذلّلا ).
    (13) جاء في تعليقة من الشيخ الصدوق هنا قوله ، قال مصنّف هذا الكتاب ( رحمه الله ) يعني به قراءة العزائم دون غيرها (1).
    (14) أي عيد الأضحى وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجّة الحرام.
    وفي الإختصاص قبل هذا زيادة ، « يا علي ، لا تجامع امرأتك في ليلة الفطر ، فإذا قُضي بينكما ولد ينكث [ ينكد ] ذلك الولد ، ولا يصيب ولداً إلاّ على كبر السنّ ».

1 ـ أي السور العزائم الأربعة التي تجب السجدة فيها وهي ، الم تنزيل السجدة ، وحم تنزيل فصّلت ، والنجم ، والعلق.
    وأفاد التقي المجلسي هنا أنّ هذا الحمل حسن ، لكن حمله على الكراهة أحسن كما في الروضة ، ج 9 ، ص 229.


(258)
    يا علي ، لا تجامعْ امرأَتك تحتَ شجرة مثمرة فإنّه إن قُضي بينكما ولدٌ يكون جلاّداً (15) قتّالا أو عريفاً (16).
    يا علي ، لا تجامعْ امرأتَك في وجهِ الشَمس وتلألئِها (17) إلاّ أن تُرخي ستراً فيستركما ، فإنّه إنْ قُضي بينكما ولدٌ لا يزالُ في بُؤس وفقر حتّى يموت.
    يا علي ، لا تجامعْ امرأَتك بين الأذانِ والإقامة فإنّه إنْ قُضي بينكما ولدٌ يكونُ حريصاً على إهراقِ الدماء (18).
    يا علي ، إذا حَمَلَت امرأتُك فلا تجامْعها إلاّ وأنتَ على وضوء فإنّه إن قُضي بينكما ولدٌ يكون أعمى القلبِ (19) بخيلَ اليد.

    (15) يقال جلدته بالسوط أو السيف أي ضربته بهما ، والجلاّد مبالغته ، وكذا القتّال مبالغة القاتل.
    (16) العريف على وزن نفير كما حكى ضبطه في المصباح (1) ، هو القيّم باُمور القبيلة والجماعة من الناس ، يلي اُمورهم ويتعرّف الغير منه أحوالهم (2) ، وفسّرت العرافة أيضاً بالرئاسة الباطلة.
    (17) تلألؤ الشمس هو إشراقها.
    (18) أي إراقة الدماء.
    (19) عمى القلب هو زوال بصيرته التي هي أعظم من زوال إبصار العين.

1 ـ المصباح المنير ، مادّة عرف.
2 ـ مجمع البحرين ، ص 416.


(259)
    يا علي ، لا تجامعْ أهلَك في النصِف من شعبان فإنّه إنْ قُضي بينكما ولدٌ يكونُ مشؤوماً (20) ذا شأمة في وجهه (21).
    يا علي ، لا تجامعْ أهلَك في آخرِ درجة منه إذا بقي يومان (22) فإنّه إنْ قُضي بينكما ولدٌ يكون عشّاراً (23) أو عوناً للظالمين ، ويكونُ هلاكُ فئام (24) من الناسِ على يدَيه (25).

    (20) الشؤم هو الشرّ ، ورجل مشؤوم أي غير مبارك.
    (21) أي ذا علامة قبيحة في وجهه ، وفي الإختصاص والبحار ، « في شعره ووجهه ».
    (22) أي آخر درجة من شعبان إذا بقي يومان منه يعني في يومين ما قبل الأخير ، وفي الإختصاص ، « لا تجامع أهلك في آخر الشهر » ، يعني إذا بقي يومان ، فيكون عامّاً لجميع الأشهر لا خصوص شعبان.
    (23) العشّار هو آخذ العُشر من أموال الناس بأمر الظالم.
    (24) الفئام بكسر الفاء هي الجماعة الكثيرة من الناس ، لا واحد له من لفظه قاله الجوهري وغيره ، ... وفي الحديث ، « وما الفئام ؟ قال ، مائة ألف » (1).
    (25) هكذا في الفقيه لكن في الإختصاص بعد قوله إذا بقي يومان قال ، « فإنّه إنْ قُضي بينكما ولد يكون مُعدَماً ـ أي فقيراً محتاجاً ـ ثمّ قال ، « يا علي ، لا تجامع أهلك في شهوة اُختها فإنّه إنْ قُضي بينكما ولد يكون عشّاراً أو عوناً للظالم أو يكون هلاك فئام الناس على يده ».
    ثمّ أضاف قوله ، « يا علي ، إذا جامعتَ أهلك فقل ، اللّهمّ جنّبني الشيطان ، وجنّب الشيطان ممّا رزقتني ، فإنّه إنْ قُضي بينكما ولد لم يضرّه الشيطان أبداً ».

1 ـ مجمع البحرين ، ص 530.

(260)
    يا علي ، لا تجامعْ أهلَك على سُقوف البنيان ، فإنّه إنْ قُضي بينكما ولدٌ يكون منافقاً مرائياً مبتدعاً.
    يا علي ، إذا خرجْتَ في سَفَر فلا تجامعْ أهلك من تلك الليلة ، فإنّه إنْ قُضي بينكما ولدٌ ينفق مالَه في غير حقّ ، وقرأ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( إنّ المبذِّرينَ كانوا إخوانَ الشياطين ) (26).
    يا علي ، لا تجامعْ أهلَك إذا خرْجتَ إلى سَفَر مسيرة ثلاثة أيّام ولياليهنّ فإنّه إنْ قضي بينكما ولدٌ يكون عَوناً لكلّ ظالم عليك.
    يا علي ، عليكَ بالجماع ليلةَ الإثنين ، فإنّه إنْ قُضي بينكما ولدٌ يكون حافظاً لكتابِ اللّه ، راضياً بما قَسَم اللّهُ عزّوجلّ.
    يا علي ، إنْ جامعتَ أهلك في ليلةِ الثلاثاء فقُضي بينكما ولدٌ فإنّه يُرزَق الشهادةُ (27) بعد شهادة أنْ لا إلَه إلاّ اللّهُ وأنّ محمّداً رسولُ اللّهِ ولا يعذّبُه اللّهُ مع المشركين ويكون طيّبَ النَكهةِ والفَم ، رحيمَ القلب ، سخيَّ اليد ، طاهرَ اللسان من الغيبةِ والكذبِ والبُهتانِ.
    يا علي ، إن جامعت أهلك ليلةَ الخميس فقُضي بينكما ولدٌ فإنّه يكونُ حاكماً من الحكّام (28) ، أو عالماً من العلماء ، وإنْ جامعتَها يوم الخميس عند زوال الشمسِ ...

    (26) سورة الإسراء ، الآية 27.
    (27) أي شهادة النفس بعد الشهادة بالقلب واللسان بالتوحيد والرسالة فيستشهد مسلماً.
    (28) أي الحكّام الشرعيين ، وفي الإختصاص ، « حكيماً من الحكماء ».



(261)
عن كبدِ السماء (29) فقُضي بينكما ولدٌ فإنّ الشيطانَ لا يقربُه حتّى يشيبَ ويكون قَيّماً (30) ويرزقُه اللّهُ عزّوجلّ السلامةَ في الدين والدنيا.
    يا علي ، وإنْ جامعتَها ليلةَ الجمعة وكان بينكما ولدٌ فإنّه يكون خطيباً قوّالا مُفوّهاً (31) ، وإن جامعتَها يومَ الجمعة بعدَ العصرِ فقُضي بينكما ولدٌ فإنّه يكون معروفاً مشهوراً عالماً ، وإنْ جامعتَها في ليلةِ الجمعة بعدَ العشاء الآخرة فإنّه يُرجى أن يكون الولدُ من الأبدال (32) إنْ شاءَ اللّهُ تعالى.

    (29) زوال الشمس عن وسط السماء وهو وقت الظهر.
    (30) أي قيّماً باُمور الناس .. وفي العلل والأمالي ، « فهيماً » ، وفي الإختصاص ، « فقيهاً ».
    (31) القوّال المفوّه هو المنطيق البليغ الفصيح في كلامه.
    (32) الأبدال جمع بَدَل فُسِّر في أصله بمعنى الخلف الكريم الشريف.
    وقد جاء في دعاء اُمّ داود عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في النصف من رجب المرجب ، « اللهمّ صلّ على الأبدال والأوتاد والسيّاح والعبّاد والمخلصين والزهّاد وأهل الجدّ والإجتهاد ... الخ ».
    قال الشيخ الطريحي ، الأبدال قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم إذا مات أحد منهم أبدل الله مكانه آخر (1).
    وقال العلاّمة المجلسي ، ويحتمل أن يكون المراد به في الدعاء خواص أصحاب الأئمّة ( عليهم السلام ) (2).

1 ـ مجمع البحرين ، ص 461.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 27 ، ص 48.


(262)
    يا علي ، لا تجامعْ أهلَك في أوّلِ ساعة من اللَّيل فإنّه إنْ قُضي بينكما ولدٌ لا يُؤْمَن أنْ يكونَ ساحراً مُؤثِراً للدنيا على الآخرة.
    يا علي ، إحفظْ وصيّتي هذهِ كما حفظُتها عن جبرئيل ( عليه السلام ) (33).

    وقال والده ، أنّه رُوي في أخبارنا أنّهم من أصحاب صاحب الأمر ( عليه السلام ) ويرونه أحياناً ، وعند ظهوره يكونون في خدمته ... (1).
    وأضاف المحدّث القمّي ، نقلا عن الكفعمي في حاشية مصباحه أنّه قيل أنّ الأرض لا تخلو من أربعين بدلا (2).
    (33) هذا الحديث رواه الشيخ الصدوق ( قدس سره ) مرسلا في الفقيه ، ج 3 ، باب النوادر بعد كتاب النكاح والطلاق ، ص 551 ، الحديث 4899.
    ورواه أيضاً في العلل ، باب علل نوادر النكاح ، رقم 289 ، ص 514 ، ح 5.
    وفي الأمالي ، المجلس الرابع والثمانين ، ص 507 ، ح 1 ، مسنداً عن ـ أبي العبّاس ـ محمّد بن إبراهيم بن إسحاق ـ الطالقاني ـ ، عن أبي سعيد الحسن بن علي العدوي ، عن أبي يعقوب يوسف بن يحيى الاصبهاني ، عن أبي علي إسماعيل بن حاتم ، عن أبي جعفر أحمد بن صالح بن سعيد المكّي ، عن عمرو بن حفص ، عن إسحاق بن نجيح ، عن حصيب [ حصين ] ، عن مجاهد ، عن أبي سعيد الخدري ...
    ورواه الشيخ المفيد في الإختصاص ، ص 132 مسنداً عن أحمد ، عن عمرو [ عمر ] بن حفص وأبي نصر ، عن محمّد بن الهيثم ، عن إسحاق بن نجيح ، عن حصيب ، عن مجاهد ، عن الخدري...

1 ـ روضة المتّقين ، ج 9 ، ص 232.
2 ـ سفينة البحار ، ج 7 ، ص 331.


(263)
.........................

    وقد جاء أيضاً في بحار الأنوار ، ج 103 ، ص 280 ، ب 8 ، ح 1.
    وجاء متفرّقاً في الوسائل ، ج 14 ، ص 185 ـ 190 ، ب 147 ـ 151 ، الأحاديث.
    وفي المستدرك ، ج 14 ، ص 297 ـ 300 ، ب 111 ـ 114 ، الأحاديث.



(264)
    من لا يحضره الفقيه (1) ، روي عن ابن عبّاس أنّه قال ، سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول لعلي ( عليه السلام ) :
    يا علي ، أنتَ وصيّي أوصيتُ إليكَ بأمرِ ربّي وأنتَ خليفتي استخلفتُك بأمرِ ربّي.
    يا علي ، أنتَ الذي تبيّنُ لاُمّتي ما يختلفونَ فيه بَعدي ، وتقومُ فيهم مقامي ، قولُك قولي ، وأمرُك أمري ، وطاعتُك طاعتي ، وطاعتي طاعةُ اللّه ، ومعصيتُك معصيتي ، ومعصيتي معصيةُ اللّه ( عزّوجلّ ) (2) (3).

    (1) رواه الشيخ الصدوق ( قدس سره ) في باب ذكر أنّ الوصيّة متّصلة من لدن آدم ( عليه السلام ) إلى آخر الدهر ، وأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصى إلى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأنّ أمير المؤمنين أوصى إلى أولاده الطاهرين واحداً بعد واحد إلى الحجّة المنتظر الإمام الثاني عشر ( عليهم السلام ) كما في الأحاديث المتواترة بين الفريقين.
    فلاحظ أحاديث الخاصّة في ذلك في اُصول الكافي ، ج 1 ، ص 168 ، كتاب الحجّة ، أبواب النصوص. ولاحظ أحاديث العامّة في ذلك في إحقاق الحقّ ، ج 4 ، ص 71 ـ 74.
    (2) هذا الحديث الشريف منصوص عليه ومتّفق عليه بين الفريقين في جميع



(265)
.........................

فقرأته ووردت أحاديث متظافرة بكلّ ما فيه.
    بل في حديث الحمويني في فرائد السمطين كما نقله في الإحقاق (1) زيادة قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
    « من فارق عليّاً بعدي لم يرني ولم أره يوم القيامة ، ومن خالف عليّاً حرّم الله عليه الجنّة ، وجعل مأواه النار ، ومن خذل عليّاً خذله الله يوم يُعرض عليه ، ومن نصر عليّاً نصره الله يوم يلقاه ، ولقّنه حجّته عند مسألة القبر.
    ثمّ قال ، والحسن والحسين إماما اُمّتي بعد أبيهما ، وسيّدا شباب أهل الجنّة ، اُمّهما سيّدة نساء العالمين ، وأبوهما سيّد الوصيين ، ومن ولد الحسين تسعة أئمّة تاسعهم القائم من ولدي. طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي ، إلى الله أشكو المنكرين لفضلهم ، والمضيّعين لحرمتهم بعدي ، وكفى بالله وليّاً ، وناصراً لعترتي وأئمّة اُمّتي ، ومنتقماً من الجاحدين حقّهم ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ».
    (3) الفقيه ، ج 4 ، ص 179 ، ب 2 ، ح 5405.

1 ـ إحقاق الحقّ ، ج 4 ، ص 82.

(266)
    من لا يحضره الفقيه ، كان في وصيّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) :
    يا علي ، إذا أردتَ مدينةً أو قريةً (1) فقل حين تعايُنها ، « اللّهُم إنّي أسألكَ خيرَها وأعوذُ بكَ من شرِّها اللّهمَّ حبِّبنا إلى أهلِها وحَبِّبْ صالحي أهلِها إلينا » (2) (3).

    (1) الدين الإسلامي الخالد تكفّل بيان جميع سنن المسلم وشؤونه ضماناً لسعده وسعادته ، ومن ذلك سننه المباركة المقتضية للسلامة والبركة في سفره وترحاله ، كما تلاحظ الآداب والسنن في ذلك من خروجه إلى وصوله في أحاديث البحار ، ج 100 ، ص 101 ـ 116 ، ب 1.
    ومن أدب المسافر دعاؤه حينما يشرف على بلد السفر أن يدعو بهذا الدعاء المذكور.
    (2) وفي المحاسن جاء الدعاء هكذا ، « اللّهمّ إنّي أسألك خيرها ، وأعوذ بك من شرّها ، اللهمّ أطعمنا من جناها ، أعذنا من وبائها ، وحبِّبْنا إلى أهلها ، وحبّب صالحي أهلها إلينا ».
    (3) الفقيه ، ج 2 ، ص 298 ، ب 2 ، ح 2509. وجاءت هذه الوصيّة في المحاسن ، كتاب السفر ، ص 309 ، ح 141 ، مع زيادة تقدّمت. وعنه البحار ، ج 76 ، ص 248 ، ب 48 ، ح 41.



(267)
    نهج البلاغة (1) ، وقام إليه رجل وقال ، أخبرنا عن الفتنة وهل سألت عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (2) ؟

    (1) جاء هذا في النهج الشريف (1) في كلام لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) خاطب به أهل البصرة على جهة بيان الملاحم يستفاد منه وصيّة من رسول الله له صلوات الله عليهما وآلهما.
    (2) هذا كلام السيّد الرضي أعلى الله مقامه في بيان وجه إيراد الخطاب بعد سؤال السائل ، والظاهر أنّ اللام في ( الفتنة ) للعهد وتكون إشارة إلى فتنة سبق ذكرها في كلامه وفي كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    والفتنة وردت لمعان عديدة إلاّ أنّ المستفاد منها هنا بقرينة الآية الشريفة هي فتنة الإختبار والإمتحان.
    قال الشيخ الطريحي ، « والفتنة في كلام العرب ، الإبتلاء والإمتحان والإختبار ، وأصله من فتنتُ الفضّة إذا أدخلتها النار لتتميّز » (2).
    وقال الشيخ الطبرسي ، « معنى يفتنون ، يبتلون في أنفسهم وأموالهم ... وهو

1 ـ ( نهج البلاغة ، ص 220 ، باب الخطب ، رقم 156) وفي الطبعة المصرية ، ج 2 ، ص 64 ، رقم 151.
2 ـ مجمع البحرين ، ص 566.


(268)
    فقال ( عليه السلام ) ، لمّا أنزَلَ اللّهُ سبحانَه قوله ، ( الم * أَحَسِبَ الناسُ أن يُتركُوا أن يَقولُوا آمنّا وهُم لا يُفتَنُون ) (3) علمتُ أنّ الفتنَةَ لا تَنزل بنا ورسولُ اللّهِ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بينَ أظهرِنا (4).
    فقلت ، يا رسولَ اللّه ، ما هذه الفتنةُ التي أَخبَرَك اللّهُ بها ؟
    فقال ، يا علي ، إنّ اُمّتي سيُفتنون من (5) بَعدي.

المروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) » (1).
    (3) سورة العنكبوت ، الآية 1 ـ 2.
    (4) وذلك باعلام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّ الفتنة تكون بعده فحصل بذلك العلم له ( عليه السلام ) كما أفاده في المنهاج (2) إستناداً إلى حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لابدّ من فتنة تبتلى بها الاُمّة بعد نبيّها ليتعيّن الصادق من الكاذب ، لأنّ الوحي قد إنقطع وبقي السيف وإفتراق الكلمة إلى يوم القيامة (3).
    (5) في طبعة صبحي الصالح ، « بعدي » بدون كلمة من.
    وقوله ، سيفتنون بمعنى تصيبهم الفتنة ـ والفتنة المستظهرة هنا هي الفتنة والإختبار بولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للأحاديث الواردة في ذلك نظير ما روى عن علقمة وأبي أيّوب الوارد في غاية المرام (4) ، « أنّه لمّا نزلت ( الم أحَسِب الناسُ ) الآيات ، قال النبي لعمّار ، إنّه سيكون من بعدي هناة حتّى يختلف السيف فيما بينهم ، وحتّى يقتل بعضهم بعضاً ، وحتّى يتبرّء بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك

1 ـ مجمع البيان ، ج 8 ، ص 272.
2 ـ منهاج البراعة ، ج 9 ، ص 293.
3 ـ تفسير الصافي ، ج 4 ، ص 110.
4 ـ غاية المرام ، ص 403 ، ب 25 ، ح 3.


(269)
    فقلتُ ، يا رسولَ اللّه أَوَلَيس [ قد ] قلتَ لي يوم أُحُد حيث استُشهِدَ مَن استُشهِدَ من المسلمين وحِيزَتْ (6) عنّي الشهادةُ فشقَّ ذلكَ عَليَّ فقلتَ لي ، « أبْشِرْ فإنّ الشهادةَ من ورائِك » ؟ فقال لي ، « إنّ ذلكَ لكذلك (7) فكيف صبرُك إذاً ؟ » (8).
    فقلت ، يا رسولَ اللّه ليس هذا من مواطن الصبر ، ولكن من مواطِن البُشرى والشُكر (9).

بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب ، فإنْ سلك الناس كلّهم وادياً فاسلك وادي علي وحُل عن الناس.
    يا عمّار ، إنّ عليّاً لا يرُدّك عن هُدى ، ولا يردك إلى ردى.
    يا عمّار ، طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله ».
    (6) حيزت ، أي مُنعت.
    (7) أي أنّ الشهادة واقعة لا محالة وستكون شهيداً.
    (8) أي كيف يكون صبرك إذا هُيّئت لك الشهادة. وهذا السؤال من الرسول لأجل الإبانة عن علوّ همّته ( عليه السلام ) والإفصاح عن ثبات قدمه في جنب الله تعالى ، وإلاّ فهو صلوات الله عليه وآله عارف بصبره ( عليه السلام ) في مقابل الأسنّة والرماح ، وإلقاء نفسه في لهوات الموت عند الكفاح.
    (9) وهذا شأن أهل الحقّ واليقين وأولياء الله المقرّبين ، يستبشرون بالموت في سبيل الله ، والنيل إلى رضوان الله ، وهو القائل ، « والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي اُمّه » (1) لذلك تراه ( عليه السلام ) هنا يجعل الشهادة من مواطن

1 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 5 ، ص 52 ، من طبعة صبحي الصالح.

(270)
    وقال ، يا علي (10) إنّ القومَ سيُفتنون بَعدي بأموالهم (11) ، ويَمُنُّون بدينِهِم على ربّهم (12) ، ويَتمنَّون رحمتَه ، ويأمنُون سطوتَه (13) ، ويستحلّونَ حرَامه بالشبهاتِ ...

البشرى لا من مواقع الصبر.
    قال ابن أبي الحديد في الشرح بالنسبة إلى جوابه ( عليه السلام ) أنّه ، « كلامٌ عال جدّاً يدلّ على يقين عظيم وعرفان تامّ ، ونحوه قوله ـ وقد ضربه ابن ملجم ـ ، فزتُ وربّ الكعبة » (1).
    (10) بيَّن صلوات الله عليه وآله لأمير المؤمنين بعد الإشارة إجمالا إلى الفتنة تفصيل بيان الفتنة وشرح حال المفتونين وكيفيّة افتتانهم بما يلي بيانه :
    (11) كما قال عزّ إسمه ، ( أنّما أموالُكُم وأولادُكم فِتْنَة ) (2).
    (12) كما قال عزّ شأنه ، ( يَمُنُّونَ عليكَ أنْ أسلَمُوا قُلْ لا تَمُنّوا عَلَيّ إسلامَكُم بل اللّهُ يَمُنُّ عليكُم أنْ هداكُم للإيمان ) (3).
    (13) كما قال عزّ وجهه ، ( أفأَمِنُوا مكَر اللّهِ فلا يأمَنُ مكَر اللّهِ إلاّ القومُ الخاسرُون ) (4).
    والسطوة هي العقوبة التي تأخذهم بغتةً .. فإنّ الأمن من سخط الله كاليأس من رحمته هما من الكبائر الموبقة ، وتمنّي الرحمة مع عدم المبالاة في الدين والأمن من سطوة ربّ العالمين من صفات الجاهلين والمفتونين.

1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 9 ، ص 207.
2 ـ سورة الأنفال ، الآية 28.
3 ـ سورة الحجرات ، الآية 17.
4 ـ سورة الأعراف ، الآية 99.
وصايا الرسول لزوج البتول ::: فهرس