زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار ::: 46 ـ 60
(46)
أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، بل هو من أهل البيت ( عليهم السلام ) إذا كان عالماً بأمرهم ، محتملا سرّهم ، كما قالوا : « سلمان منّا أهل البيت ». انتهى كلامه رفع الله مقامه (1).
    وبهذا وقفنا ولو إجمالا على المعنى اللغوي والاصطلاحي للكفر وما يقابله ، وقد ركّزنا على المصطلح القرآني والروائي ، ولا بأس أن نذكر ما جاء في المصطلح الفقهي من خلال مصنّفات ومؤلّفات فقهائنا الكرام ، فإنّه قد اُخذ من الكتاب والسنّة على نحو التحديد وبيان المصاديق أو من النقل المألوف من العامّ إلى الخاصّ ، فتأمّل.
1 ـ خلاصة الكلام : أنّ كلّ غير مسلم كافر ، أعمّ من أن يكون ذا ديانة أم لا ، وسواء كانت هذه الديانة سماوية ـ كاليهودية والمسيحية ـ أم غيرها ، وسواء كانوا بالأصل أو بالعارض ، كالمرتدّ المليّ أو الفطري. والكفّار بالنسبة للمسلمين إمّا أن يكونوا ذا عهد وذمّة أو مستأمنين أو حربيّين ، فالمعاهد هو الذي عقد عهد مع المسلمين على شرائط الذمّة كما في الفقه ، والمستأمن من دخل دار الإسلام من الكفّار بأمان في تجارة أو رسالة أو حاجة وغيرها ، والحربي من يسكن دار الحرب مقاطعاً للمسلمين فدمه وماله مباح لهم. ثمّ هناك ألفاظ اُخرى تطلق ويراد بها معنى الكفّار ولو من وجه ، كالمشركين والزنادقة والملحدين أعداء الله والرسول والإسلام ، وأمّا من كان مسلماً ثمّ انحرف عن الخطّ الصحيح والصراط المستقيم فهل هم من الكفّار واقعاً أو بحكمهم كالمارقين والناكثين والقاسطين وغيرهم ، فيه أقوال ، وربما يقال : الملاحظ من ظاهر الآيات والروايات : أنّ كلّ من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ، سواء كان كفره واقعاً أم تنزيلا ، وسواء ترادفت لفظة الكفر مع ألفاظ اُخرى كالظلم والفسق أم تباينت ؟ فإنّ العمدة عدم الالتزام بأحكام الله ، ففي قوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أنْزَلَ اللهُ فَاُولـئِكَ هُمُ الكافِرونَ ) ، وفي اُخرى : ( هُمُ الفاسِقونَ ) ، وفي ثالثة : ( هُمُ الظَّالِمونَ ). فهل إنّ الكافر يعني الفاسق أو الظالم يعني الكافر أم أنّها تختلف ؟ القدر المسلّم به أنّ الكفّار الذين ينطبق عليهم الكفر الواقعي ما ذكرناهم أوّلا ، وأمّا المختلف به من حيث التنزيل أو الواقع وعدمه فهو في غير المنصوص عليه صراحةً ، فتدبّر.

(47)
    وأمّا معنى الكافر في مصطلح الفقهاء وعبائرهم ، فيقول صاحب مفتاح الكرامة (1) : ويدخل في الكافر كلّ من أنكر ضرورياً من ضروريات الدين ، قال في التحرير ـ العلامة الحلّي ـ : إنّ الكافر كلّ من جحد ما يعلم من الدين ضرورة ، سواء كانوا حربيين أو أهل كتاب أو مرتدّين ، وكذا النواصب والغلاة والخوارج ، ومثله في الشرائع ونهاية الإحكام والإرشاد والذكرى والتذكرة والبيان والروض والروضة والحاشية الميسية ، وغيرها ، بل ظاهر نهاية الإحكام والتذكرة والروض الإجماع على ذلك بخصوصه ، وفي شرح الفاضل تقييد إنكار الضروري بمن يعلم الضرورية وفي صلاة الكتاب والروض يحصل الارتداد بإنكار ما علم ثبوته من الدين ضرورة ، وفي حكم استحلال ترك الصلاة استحلال شرط مجمع عليه كالطهارة ، أو جزء كالركوع ، دون المختلف فيه كتعيين الفاتحة. وفي مجمع البرهان : المراد بالضروري الذي يكفر منكره الذي ثبت عنده يقيناً ، كونه من الدين ولو بالبرهان ، ولو لم يكن مجمعاً عليه ، إذ الظاهر أنّ دليل كفره هو إنكار الشريعة وإنكار صدق النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) مثلا في ذلك الأمر مع ثبوته يقيناً عنده. وليس كلّ من أنكر مجمعاً عليه يكفر ، بل المدار على حصول العلم والإنكار وعدمه ، إلاّ أنّه لمّا كان حصوله في الضروري غالباً جعل ذلك مداراً ، وحكموا به ، فالمجمع عليه ما لم يكن ضرورياً لم يؤثّر. قال : وصرّح به التفتازاني في شرح الشرح مع ظهوره.
1 ـ مفتاح الكرامة 1 : 143.

(48)
    قلت : وهو ظاهر الذخيرة. وهنا كلام في أنّ جحود الضروري كفر في نفسه ، أو يكشف عن إنكار النبوّة مثلا ، ظاهرهم الأوّل ، واحتمل الاُستاذ الثاني ، قال : فعليه لو احتمل وقوع الشبهة عليه لم يحكم بتكفيره ، إلاّ أنّ الخروج عن مذاق الأصحاب ممّا لا ينبغي ، وقال السيّد المرتضى بدخول غير المؤمن مطلقاً. وقال ابن إدريس : إلاّ المستضعف. وقال في المعتبر : إن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن يجتنب سؤر أحدهم ، وكان يشرب من الموضع التي تشرب منه عائشة ، وبعده لم يجتنب عليّ ( عليه السلام ) سؤر أحد من الصحابة مع منابذتهم له ، ثمّ نفى الحمل على التقيّة لعدم الدليل ، وبمثل ذلك استند في التذكرة والذكرى والروض ، ونقلت الشهرة على ذلك في الذخيرة وشرح الفاضل ، وقال الاُستاذ : الإجماع معلوم. وقال الاستاذ أيضاً : وظاهر الفقهاء على طهارة المفوّضة ، وإن كان في الأخبار ما هو صريح في شركهم وكفرهم. انتهى موضع الحاجة ، وأمّا كلامه حول الخوارج والنواصب والمجسّمة ، فكما مرّ بيانه فلا نعيد.
    وقال العلاّمة الجواد الكاظمي في مسالكه (1) : وقد اختلف أصحابنا في المراد بالشرك ـ في الآية الشريفة ـ فالأكثر منهم أنّ المراد به ما يعمّ عبّاد الأصنام وغيرهم من اليهود والنصارى ، لأنّهم مشركون أيضاً لقوله تعالى : ( وَقالَتِ اليَهودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى المَسيحُ ابْنُ اللهِ ) إلى قوله : ( سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكونَ ) (2) وبها استدلّ صاحب الكشّاف على كون الكفّار مطلقاً مشركين في غير هذا الموضع. انتهى كلامه.
1 ـ المسالك 1 : 100.
2 ـ التوبة : 30 ـ 31.


(49)
    أقول : ربما الكافر والمشرك من الكلمات التي إذا اجتمعت افترقت ، وإذا افترقت اجتمعت كالفقير والمسكين ، فتأمّل.
    وقال الشهيد الثاني في مسالكه (1) : العاشر : الكافر ، وضابطه كلّ من خرج عن الإسلام ، أو من انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة ، كالخوارج والغلاة.
    وقال المحقق البحراني في حدائقه (2) : ( الفصل السابع ) في الكافر : قالوا : وضابطه من خرج من الإسلام وباينه أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة ، والأوّل : شامل للكافر كفراً أصليّاً أو ارتدادياً ، كتابياً أو غير كتابي ، والثاني : كالغلاة والخوارج والنواصب.
    وقال العلاّمة (3) : العاشر : الكافر نجس وهو كل من جحد ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة سواء كانوا حربيين أو أهل كتاب أو مرتدّين ، وكذا النواصب والغلاة والخوارج ، والأقرب أنّ المجسّمة والمشبّهة كذلك ، وما عدا هذه الأعيان طاهر ، ما لم يباشر شيئاً منها برطوبة.
    وقال المحقق الحلّي في شرايع الإسلام : العاشر : الكافر وضابطه من خرج عن الإسلام أو من انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة ، كالخوارج والغلاة والنواصب.
    وقال الشهيد الثاني (4) في بحث الأعيان النجسة : ( والكافر ) أصلياً ومرتدّاً
1 ـ المسالك 1 ، 123 ، طبع ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية ـ قم.
2 ـ الحدائق 5 : 162 ، طبع دار الكتب الإسلامية ـ النجف.
3 ـ تحرير الأحكام 1 : 24 ، الطبعة الحجرية.
4 ـ شرح اللمعة 1 : 49 ، طبع دار العالم الإسلامي بيروت.


(50)
وإن انتحل الإسلام مع جحده ببعض ضرورياته. وضابطه : من أنكر الإلهية أو الرسالة و بعض ما علم ثبوته من الدين ضرورةً.
    وقال المحقّق العاملي (1) : المراد بمن خرج عن الإسلام : من باينه كاليهود والنصارى ، وبمن انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة : من انتمى إليه وأظهر التديّن به ، لكن جحد بعض ضرورياته.
    أقول : المتّفق عليه في تعريف الكافر عند الفقهاء : هو أنّه من أنكر الله سبحانه أو النبي أو المعاد ، ويكون بهذا خارجاً عن الإسلام ، وكذلك من أنكر ضرورياً من ضروريات الدين ، إلاّ أنّه مطلقاً سواء علم أنّه ضروري أو لم يعلم ، ذهب المشهور مع العلم ، وعند البعض مطلقاً.
    وجاء في العروة الوثقى للسيّد اليزدي ( قدس سره ) : في بيان أقسام النجاسات ، الثامن : الكافر بأقسامه حتّى المرتدّ بقسميه ، واليهود والنصارى والمجوس ، وكذا رطوباته وأجزاؤه سواء كانت ممّا تحلّه الحياة أو لا ، والمراد بالكافر : من كان منكراً للاُلوهية أو التوحيد أو لرسالة أو ضرورياً من ضروريات الدين ، مع الإلتفات إلى كونه ضرورياً بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة ، والأحوط الاجتناب عن منكر الضروري مطلقاً وإن لم يكن ملتفتاً إلى كونه ضرورياً.
    وقال السيّد الإمام الخميني (2) : العاشر : الكافر ، وهو من انتحل غير الإسلام أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة ، بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة أو تكذيب النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، أو تنقيص شريعته المطهّرة ، أو صدر منه ما يقتضي
1 ـ مدارك الأحكام في شرح شرايع الإسلام 2 : 294 ، طبع مؤسسة آل البيت ـ قم.
2 ـ تحرير الوسيلة 1 : 118.


(51)
كفره من قول أو فعل من غير فرق بين المرتدّ والكافر الأصلي الحربي والذمّي ، وأمّا النواصب والخوارج ـ لعنهم الله تعالى ـ فهما نجسان من غير توقّف ذلك على جحودهما الراجع إلى إنكار الرسالة ، وأمّا الغالي فإن كان غلوّه مستلزماً لإنكار الاُلوهية أو التوحيد أو النبوّة فهو كافر ، وإلاّ فلا.
    مسألة 12 : غير الاثنى عشرية من فرق الشيعة إذا لم يظهر منهم نصب ومعاداة لسائر الأئمة الذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون ، وأمّا مع ظهور ذلك منهم ، فهم مثل سائر النواصب.
    وقال السيّد الخوئي ( قدس سره ) (1) ، في بيان أقسام النجاسات : العاشر : الكافر : وهو من لم ينتحل ديناً ، أو انتحل ديناً غير الإسلام ، أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنّه من الدين الإسلامي ، بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة ، نعم إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً ، ولا فرق بين المرتدّ والكافر الأصلي الحربي والذمّي والخارجي والغالي والناصب ، هذا في غير الكتابي ، أمّا الكتابي ، فالمشهور على نجاسته وهو الأحوط.
    وقال السيّد الحكيم (2) ، في قول السيّد اليزدي : ( والمراد بالكافر من كان منكراً للاُلوهية أو التوحيد أو الرسالة ) : بلا خلاف ولا إشكال فإنّ الجميع داخل في معاقد الإجماعات ، ولكون الثاني هو المشرك ، والأوّل أسوأ منه ، وأكثر أفراد الثالث موضوع نصوص النجاسة.
    وفي قول المصنّف : ( أو ضرورياً من ضروريات الدين ) قال : بلا خلاف
1 ـ منهاج الصالحين 1 : 111.
2 ـ المستمسك 1 : 378.


(52)
ظاهر فيه في الجملة ، بل ظاهر جماعة من الأعيان كونه من المسلّمات ، وظاهر مفتاح الكرامة حكاية الإجماع عليه في كثير من كتب القدماء والمتأخرين ، بل عن التحرير : ( الكافر كلّ من جحد ما يعلمه من الدين ضرورة ، سواء كانوا حربيين أو أهل كتاب أو مرتدّين ، وكذا النواصب والغلاة والخوارج ).
    نعم ، الإشكال في أنّه سبب مستقلّ للكفر تعبّداً ، أو أنّه راجع إلى إنكار النبوّة في الجملة ، ظاهر الأصحاب كما في مفتاح الكرامة الأوّل ، وتبعه في الجواهر ، لعطفه في كلامهم على من خرج عن الإسلام ، وظاهر العطف المغايرة ، ولعدم تقييده بالعلم ، ولتقييدهم إيّاه بالضروري ... ولتمثيلهم له بالخوارج والنواصب مع عدم علم أكثرهم بمخالفتهم في ذلك للدين ، بل يعتقدون أنّه من الدين ، فيتقرّبون به إلى الله سبحانه ، واستشهد له بجملة من النصوص كمكاتبة عبدالرحيم القصير : ( قال ( عليه السلام ) : ولا يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال ، بأن يقول للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال ). ونحوها صحيح الكناني : ( قال ( عليه السلام ) : فما بال من جحد الفرائض كان كافراً ؟ ) ، وصحيح عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : ( قال : من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال أخرجه ذلك عن الإسلام ) ... ونحوها غيرها.
    ثم السيّد ( قدس سره ) يخدش في جميع هذه الوجوه ، كما يذكر مقولة الشيخ الأنصاري في الفرق بين المقصّر والقاصر ، فبنى على الكفر في المقصّر إذا أنكر بعض الأحكام الضرورية ، عملا بإطلاق النصوص والفتاوى في كفر منكر الضروري ، وعلى عدمه في القاصر لعدم الدليل على سببيته للكفر ... وجوابه عنه فراجع ، ثم قال : هذا كلّه في الأحكام العملية التي يجب فيها العمل ولا يجب فيها الاعتقاد ، وأمّا الاُمور الاعتقادية التي يجب فيها الاعتقاد لا غير ، فالحكم بكفر منكرها ـ ضرورية كانت


(53)
أو نظرية ـ يتوقّف على قيام دليل على وجوب الاعتقاد بها تفصيلا على نحو يكون تركه كفراً. ومجرّد كونه ضرورياً لا يوجب كفر منكره ، إلاّ بناء على كون إنكار الضروري سبباً مستقلاّ للكفر ، وقد عرفت عدم ثبوته ، فالمتبع الدليل الوارد فيه بالخصوص ، انتهى كلامه رفع الله مقامه.
    وخلاصة الكلام في أقسام الكافر وما اُلحق به ، كما أشار إليه السيّد الطباطبائي في العروة الوثقى ، فهم كما يلي :
    1 ـ من أنكر وجود الصانع تعالى واعتقد بأنّ المادّة في هذا العالم قديم بالذات.
    2 ـ من أنكر توحيد الذات القديم المتعال من حيث المبدئية ، والقول بأصلين قديمين بالذات أو أكثر كالمجوس.
    3 ـ من أنكر توحيده تعالى في مقام الفاعلية ، والقول بأنّ المؤثّر في الحوادث والممكنات الموجودة غيره سبحانه.
    4 ـ من أنكر توحيده تعالى في مقام العبادة ، فأشرك في عبادة الله بعبادة الأصنام أو غيرها.
    5 ـ من أنكر الرسالة والنبوّة مطلقاً ، والذي يعبّر عنها بالنبوّة العامّة ، أي إنكار جميع الأنبياء.
    6 ـ من أنكر الرسالة المحمّدية والنبوّة الخاصّة ، أو إنكار بعض الأنبياء.
    7 ـ من أنكر ضروري من ضروريات الإسلام مطلقاً أو في الجملة.
    8 ـ من أنكر المعاد كليّاً.
    9 ـ من خرج على إمام زمانه المعصوم ( عليه السلام ) ، ( الخوارج ).
    10 ـ من نصب في قلبه عداوة آل محمّد ( عليهم السلام ) ، ( النواصب ).


(54)
    11 ـ من غالى في الأئمّة الأطهار واعتقد باُلوهيتهم أو اُلوهية أحدهم ، ( الغلاة ).
    12 ـ المجبّرة القائلون بالجبر ، وأنّ الإنسان مقهور في أفعاله ، وأنّه غير مختار.
    13 ـ المفوّضة القائلون بالتفويض ، بأنّ الله فوّض الأمر إلى عباده.
    14 ـ المجسّمة القائلون بأنّ الله جسم.
    15 ـ المشبهّة الذين يشبّهون الله بخلقه.
    16 ـ القائلون بوحدة الوجود من الفلاسفة إن التزموا بلوازم مذهبهم.
    17 ـ غير الاثنى عشرية من فرق الشيعة ، إذا لم يكونوا ناصبين ولا معاندين لسائر الأئمة ( عليهم السلام ) ولا سابيّن لهم.
    والكفر كلّي مشكك له مراتب طولية وعرضية ، فأعلاها إنكار وجوده تعالى ، ثمّ إنكار التوحيد بمراتبه الثلاثة ـ من الذات والصفة والعبادة ـ ثمّ إنكار الرسالة المطلقة ، ثمّ إنكار الرسالة الخاصّة ، ثمّ إنكار أصل الإمامة والخلافة ، ثمّ إنكار المعاد في الجملة ، وفيما بين تلك الاُمور مراتب عديدة ـ فتدبّر.
    وقد اُطلق الكفر ـ كما مرّ تفصيلا ـ وعدم الإيمان ، والكافر ، على هذه الأقسام في الكتاب الكريم والسنّة الشريفة وفي لسان المتشرّعة (1).
    والمقصود بيان حكم النجاسة والطهارة للكفار ، وأنّه هل تثبت النجاسة لجميع الأقسام المذكورة أو يخصّ بعضها ؟ وهذا ما سيعلم من الفصول الآتية.
1 ـ من « لبّ اللباب في طهارة أهل الكتاب » لآية الله السيّد محمّد حسن اللنگرودي دام ظلّه.

(55)
    لقد اختلف علماء المسلمين ـ على اختلاف آرائهم ومذاهبهم ـ في مسألة الكفّار من حيث نجاستهم أو طهارتهم على طرفي نقيض ، فمنهم من يقول بطهارتهم مطلقاً ، ومنهم من يقول بنجاستهم مطلقاً ، ومنهم من يقول بالتفصيل بين الكافر الكتابي وغيره ، كما سيعلم ذلك إن شاء اللّه تعالى ، وإن اشتهر عند بعض الكتّاب والأعلام كما جاء في بعض مؤلّفاتهم ، أنّ المذهب السنّي مطلقاً يقول بالطهارة ، كما أنّ المذهب الشيعي يقول بالنجاسة ، حتّى عدّوا ذلك من منفرداتهم ، وربما يتبجّح بها ، ولكن عند المراجعة إلى كتب الفريقين ، والسبر فيها بتعمّق وتدبّر نرى خلاف ذلك ، فإنّ المسألة خلافية عندهم ، وإنّما نذكر في هذا الفصل نماذج من أقوال أبرز علماء أبناء العامّة ، وإشارة إلى ما عندهم من الاستدلال ، ثمّ في الفصل الثاني نتعرّض إلى أقوال أصحابنا الأعلام وفقهائنا الكرام.
    جاء في كتاب ( الفقه على المذاهب الأربعة ) (1) في مبحث الأعيان الطاهرة ، قال المصنّف : والأشياء الطاهرة كثيرة : منها الإنسان سواء كان حيّاً أو ميّتاً
1 ـ الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 6 ، طبع دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

(56)
كما قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَني آدَمَ ) (1) ، أمّا قوله تعالى : ( إنَّما المُشْرِكونَ نَجَسٌ ) (2) فالمراد به النجاسة المعنوية التي حكم بها الشارع ، وليس المراد ذات المشرك نجسة كنجاسة الخنزير.
    والعجب إنّه في ( الصفحة 9) عند تعرّضه لمبحث الأعيان النجسة وتعريف النجاسة يذكر ما ينطبق على المشرك ، وأنّه نجس كالكلب فيقول : قد ذكرنا في تعريف الطهارة تعريف النجاسة مجملا عند بعض المذاهب بمناسبة المقابلة بينهما ، وغرضنا الآن بيان الأعيان النجسة المقابلة للأعيان الطاهرة ، وهذا يناسبه بيان معنى النجاسة لغةً واصطلاحاً في المذاهب ، فالنجاسة في اللغة : إسم لكلّ مستقذر ، وكذلك النجس ( بكسر الجيم وفتحها وسكونها ) ، والفقهاء قسّموا النجاسة إلى قسمين : حكمية وحقيقية ، وفي تعريفهما اختلاف في المذاهب على أنّهم يخصّون النجس ( بالفتح ) بما كان نجساً لذاته ، فلا يصحّ إطلاقه على ما كانت نجاسته عارضة ، وأمّا النجس بالكسر فإنّه يطلق عندهم على ما كانت نجاسته عارضة أو ذاتيّة ، فالدم يقال له : نَجَس ونَجِس ( بالفتح والكسر ) والثوب المتنجّس يقال له : ( نَجِس ) بالكسر فقط ، ثمّ يذكر المصنّف الأعيان النجسة منها : الميتة غير الآدمي ...
    وجاء في الهامش في قوله : ( في تعريفهما اختلاف في المذاهب ) الحنابلة : عرّفوا النجاسة الحكميّة بأ نّها الطارئة على محلّ طاهر قبل طروّها ، فيشمل النجاسة التي بها جرم وغيرها متى تعلّقت بشيء طاهر ، وأمّا النجاسة فهي عين النجس
1 ـ الإسراء : 70.
2 ـ التوبة : 28.


(57)
( بالفتح ). الشافعية : عرّفوا النجاسة الحقيقية بأ نّها التي لها جرم أو طعم أو لون أو ريح ، وهي المراد بالعينيّة عندهم ، والنجاسة الحكمية بأ نّها التي لا جرم لها ولا طعم ولا لون ولا ريح ، كبول جفّ ولم تدرك له صفة ، فإنّه نجس نجاسة حكمية. المالكية : قالوا : النجاسة العينيّة هي ذات النجاسة ، والحكميّة أثرها المحكوم على المحلّ به. الحنفية : قالوا : النجاسة الحكمية هي الحدث الأصغر والأكبر ، وهو وصف شرعي يحلّ بالأعضاء أو بالبدن كلّه يزيل الطهارة ، والحقيقيّة هي الخبث وهو كلّ عين مستقذرة شرعاً.
    وجاء في كتاب ( حواشي الشيرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج بشرح المنهاج لابن حجر الهيثمي ) (1) : يكره استعمال أواني الكفّار وملبوسهم ، وما يلي أسافلهم ـ أي ممّا يلي الجلد ـ أشدّ ، وأواني مائهم أخفّ ، وكذلك المسلم الذي ظهر منه عدم تصوّنه عن النجاسات. ( قول أواني الكفّار ) أي وإن كانوا يتديّنون باستعمال النجاسة كطائفة من المجوس يغتسلون ببول البقر تقرّباً إلى الله تعالى : ( قوله كذلك المسلم ) أي كمدمن الخمر والقصّابين الذين لا يحترزون عن النجاسة. مغني وشيخنا.
    وجاء في ( الصفحة 293) ، بعد ذكر الميتة وأنّها نجسة ، قال : واستثنى منها الآدمي لتكريمه بالنصّ ، وهو في الكافر من حيث ذاته ، فلا ينافي إهداره بوصف عرضي قام به ، وللخبر الصحيح : ( لا تنجّسوا موتاكم ، فإنّ المسلم لا ينجس حيّاً ولا ميّتاً ) ، وذكر المسلم للغالب ، ومعنى نجاسة المشركين في الآية
1 ـ حواشي الشيرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج بشرح المنهاج لابن حجر الهيثمي 1 : 127 ، طبع دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

(58)
نجاسة اعتقادهم أو المراد اجتنابهم كالنجس.
    جاء في حاشية الشيرواني على ذلك ( قوله لتكريمه ) وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاسته بالموت ـ مغني ونهاية ـ ( قوله وللخبر الصحيح الخ ) ولأ نّه لو كان نجساً لما أمر بغسله كسائر النجاسات أي العينيّة ، لا يقال ولو كان طاهراً لما أمر بغسله كسائر الأعيان الطاهرة ؟ لأ نّا نقول غسل الطاهر معهود في الحدث وغيره بخلاف النجس ، على أنّ الغرض منه تكريمه وإزالة الأوساخ عنه ، نهاية. ( قوله وذكر المسلم للغالب ) كذا قالوا ، وقد يقال : ما المانع من أنّ وجه الدلالة منه لطهارة الكافر ، إنّ الخصم لا يفرق بين المسلم والكافر في النجاسة بالموت ، فإذا ثبتت طهارة المسلم كالكافر مثله لعدم الفرق اتفاقاً ، رشيدي ( قوله نجاسة اعتقادهم الخ ) أي لا نجاسة أبدانهم ، مغني ...
    وجاء في حاشية العبادي : ( قوله وهو في الكافر من حيث ذاته ) قال في شرحه للعباب من جملة كلام طويل ، فالآدمي ثبتت له الحرمة من حيث ذاته تارة ، ومن حيث وصفه اُخرى ، فالحرمة الثابتة له من حيث ذاته تقتضي الطهارة لأنّه وصف ذاتي أيضاً ، فلا يختلف باختلاف الأفراد ، والثابت له من حيث وصفه تقتضي احترامه وتعظيمه بحسب ما يليق به ، ولا شكّ أنّ الحربي ثبتت له الحرمة الاُولى فكان طاهراً حيّاً وميّتاً ، ولم تثبت له الحرمة الثانية ، فلم يحترم ولم يعظم فجاز الاستنجاء بجلده وإغراء الكلب على جيفته ، واتخاذ الأواني من جلده ، لأنّه أوجد عن عوارض المخالفات ما أوجب إهدار عوارض الصفات ، فتأمّل ذلك يتّضح لك إنّه لا إشكال في كلامهم. انتهى قوله ، ولكن قد يقال إن أراد بأنّ الطهارة وصف ذاتي إنّها مقتضى الذات فهو ممنوع ، ولذا اختلفت الأئمة فيها ، أو أنّها قائمة بالذات فكلّ الأوصاف كذلك ، إلاّ أن يقال أنّه أراد بالذاتي الحقيقي ، وقد يقال


(59)
لِمَ اقتضت الذاتية الطهارة دون الاحترام. انتهى كلامه.
    وقال محمد رشيد رضا صاحب المنار في مقدمة كتاب المغني لابن قدامة (1) ، تحت عنوان ( نصوص الكتاب والسنّة في الطهارة والنجاسة ) : فالنجس في اللغة هو المستقذر الذي تنفر منه الطباع ، ولفظ النجس لم يرد في القرآن إلاّ في قوله تعالى : ( إنَّما المُشْرِكونَ نَجَسْ فَلا يَقْرَبوا المَسْجِدَ الحَرامَ ) (2) الآية ، والمراد به النجاسة المعنوية لا الحسّية إلاّ في قول للشيعة ، وورد لفظ الرجس في تسع آيات ـ ثمّ يتعرّض إلى الروايات التي تدلّ على الأعيان النجسة واختلاف فهم الفقهاء فيها فراجع ـ.
    وقال ابن قدامة (3) : والحائض والجنب والمشركون إذا غمسوا أيديهم في الماء فهو طاهر ، أمّا طهارة الماء فلا إشكال فيه إلاّ أن يكون على أيديهم نجاسة ، فإنّ أجسامهم طاهرة ، وهذه الأحداث لا تقتضي تنجيسها ـ ثمّ يذكر وجه ذلك في الحيض والجنب ثمّ يقول في المشرك ـ : وتوضّأ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) من مزادة (4) مشركة ، متّفق عليه ، وتوضّأ عمر من جرّة نصرانية ، وأجاب النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) يهودياً دعاه إلى خبز وإهالة سنخة ، ولأنّ الكفر معنى في قلبه فلا يؤثّر في نجاسة ظاهره ، كسائر ما في القلب والأصل الطهارة ، ويتخرّج التفريق بين الكتابي الذي لا يأكل الميتة
1 ـ المغني لابن قدامة 1 : 20 ، طبع دار إحياء التراث العربي ـ بيروت سنة 1392 هـ.
2 ـ التوبة : 28.
3 ـ المغني 1 : 211.
4 ـ مزادة : بفتح الميم بعدها زاي ثمّ ألف وبعد الألف مهملة ، وهي الرواية ، ولا تكون إلاّ من جلدتين تقام بثالث بينهما لتتّسع كما في القاموس. ( سبل السلام 1 : 71).


(60)
والخنزير وبين غيره ، ممّن يأكل الميتة والخنزير ، ومن لا تحلّ ذبيحتهم ، كما فرّقنا بينهم في آنيتهم وثيابهم.
    وجاء في الهامش : التخريج معارض بأصل الطهارة ووضوء النبي وعمر المذكور آنفاً فهو ضعيف.
    وقال ابن قدامة في الصفحة 43 ، في تقسيم الحيوان إلى نجس وطاهر ( القسم الثاني ) طاهر في نفسه وسؤره وعرقه ، وهو ثلاثة أضرب ( الأوّل ) الآدمي ، فهو طاهر وسؤره طاهر سواء كان مسلماً أو كافراً عند عامّة أهل العلم ، إلاّ أنّه حُكي عـن النخعي أنّه كره سُؤر الحائض ، وعن جابر بن زيد : لا يتوضّأ منه ...
    وقال في الصفحة 68 : ( فصل ) والمشركون على ضربين أهل كتاب وغيرهم ، فأهل الكتاب يباح أكل طعامهم وشرابهم والأكل في آنيتهم ما لم يتحقّق نجاستها ، قال ابن عقيل : لا تختلف الرواية في أنّه لا يحرم استعمال أوانيهم ، وذلك لقول الله تعالى : ( وَطَعامُ الَّذينَ اُوتوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) (1) ، وروى عن عبد الله بن المغفل قال : دلي جراب من شحم يوم خيبر ، فالتزمته وقلت : والله لا اُعطي أحداً منه شيئاً ، فالتفتّ فإذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يبتسم.
    رواه مسلم وأخرجه البخاري بمعناه ، وروي أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة ، رواه أحمد في المسند وكتاب الزهد ـ وتوضّأ عمر من جرّة نصرانية ـ وهل يكره له استعمال أوانيهم ؟ على روايتين : إحداهما : لا يكره لما ذكرنا ، والثانية : يكره لما روى أبو ثعلبة الخشني قال : قلت يا رسول الله :
1 ـ المائدة : 5.
زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار ::: فهرس