زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار ::: 106 ـ 120
(106)
من الإضافة إضافة الملك ، لا إضافة العمل والمباشرة المؤدّية إلى سراية النجاسة ، ولعلّ الوجه في إنشاء التحليل المذكور دفع توهّم الحرمة من جهة عدم حجيّة أيديهم على الملكيّة ، لأنّهم يستحلّون الأموال بالمعاملات الفاسدة التي لم يشرّعها الإسلام أو لعدم مبالاتهم في الأسباب المملّكة ، فالتحليل المذكور ظاهري ، لحجّية اليد لا واقعي ، فمع العلم بالبطلان وعدم صحّة اليد ، فلا تحليل ، بل يجب العمل على العلم.
    اللّهم إلاّ أن يقال : إنّ الحلّ وإن كان تكليفاً ، إلاّ أنّ إطلاق الحلّ الظاهر في الفعليّة يقتضي الطهارة ، بل الظاهر منه كون النظر فيه إلى ذلك ، إذ لا فرق في حجيّة اليد بين الكتابيين وغيرهم. فتخصيص الحلّ بهم لا بدّ أن يكون من هذه الجهة. وأمّا الرواية المفسّرة للطعام بالحبوب ، فالظاهر من الحبوب فيها ما يقابل اللحوم لا خصوص الحبوب الجافّة ، فإنّ ذلك بعيد جدّاً ، إذ لا خصوصية لأهل الكتاب في ذلك ، وملاحظة التبيان ومجمع البيان في تفسير الآية شاهد بما ذكرنا. فلاحظ ، انتهى كلامه رفع الله مقامه.
    وقال الشيخ عبد النبي العراقي (1) : وأمّا توهّم أنّه أراد الرجس الذي هو قذارة معنوية ، وحمل الرجس في الآية على آية الرجس في الخمر والميسر والأنصاب والأزلام فاسد جداً ، إذ قلنا : أنّ النجاسة والطهارة من الأحكام الوضعيّة التي مجعولة عندنا على التحقيق ، ولو لم نقل بعمومها أو أنّها من الاُمورات الحقيقية الواقعية استكشفها الشارع الذي قال الله سبحانه في حقّه : ( اليَوْمَ بَصَرُكَ حَديد ) (2) ، مع ثبوت الحقيقة الشرعية عندنا ، وعليه فإنّه ولو في اللغة غير ما هو
1 ـ المعالم الزلفى 1 : 337.
2 ـ ق : 22.


(107)
معهود شرعاً ، إلاّ أنّه في عرفه يستعمل ، ويحمل على المعنى الشرعي كما لا يخفى على من تتبّع الأخبار وجاس خلال تلك الديار ، فإنّ من تأمّل في عرف زمان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، مع ملاحظة قانون التبليغ ، ليعرف أنّ عرفهم في الأحكام الشرعية وفتاواهم وأمرهم ونهيهم كان راجعاً إليه ، وإن الأئمة ( عليهم السلام ) كانوا نقلة عنه وحفظة لشرعه وتراجمة لوحيه ، فلا غبار أنّه ما أراد من النجس إلاّ هو الشايع عندنا الساعة ، خصوصاً بملاحظة قوله : ( فَلا يَقْرَبوا المَسْجِدَ الحَرامَ ) (1) ; فإنّه ليس إلاّ من جهة دخول النجس في المسجد ، فإنّ أعظم قرينة على إرادة القذارة الخاصّة ، كما لا يخفى.
    أقول : ولكنّ السيّد الخوئي أجاب عن هذا بما يشفي الغليل ، وإن كان لنا في كلامه تأمّل ، فراجع.
1 ـ التوبة : 28.

(108)
    الثالث : إنّما يتمّ الاستدلال بالآية الشريفة على نجاسة الكفّار في أعيانهم ، لو كان المراد منها النجاسة الشرعيّة لا المعنى اللغوي ، وأنّى لكم إثبات ذلك ، لا سيّما فيما لم تثبت الحقائق الشرعيّة ، فلفظ النجس ـ بالفتح ـ لم يثبت كون المراد منه النجس بالمعنى الذي هو محلّ الكلام ، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، فمن الجائز أن يكون المراد منه معنىً آخر غيره ، بل ذكر أهل اللغة : أنّ النجس : المستقذر ، وبعضهم ، أنّه ضدّ الطاهر. ومرادهم من الطهارة المعنى اللغوي ، وهو غير الطهارة الشرعيّة.
    وهذا الإشكال ذكره جماعة ، منهم : المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، وتلميذه في المدارك ، وتلميذه في الذخيرة ، وغيرهم.
    واُجيب عنه :
    أوّلا : لقد فرّع الله سبحانه على نجاستهم : حرمة دخولهم المساجد ، وهذا الحكم المفرع عليه ، لا يناسبه أن يكون المراد من النجس : النجس العرفي.
    وثانياً : حملها على النجس العرفي خلاف وظيفة الشارع المقدّس ، كما أنّه مخالف للواقع في كثير من المشركين ، وأنّه لا يختصّ بهم ، بل يشاركهم فيه غيرهم من المسلمين.
    وثالثاً : ولا يصحّ حملها على الخبث الباطني والقذارة النفسانية ـ كالحدث الموجب للغسل أو الوضوء ـ فإنّه وإن صحّ التعبير عنها بالقذارة ، وعبّر عن ضدّها بالطهارة ، لكنّها إنّما هي قائمة بالنفس ومنقصة فيها ، والحال ظاهر الآية ـ والظواهر


(109)
حجّة ـ إنّما هو نجاسة البدن الخارجي ـ أي الهيكل الخاصّ الذي أخذ حيّز في الوجود وله الامتداد الثلاثة ـ فيتعيّن حملها على ثبوت القذارة في البدن على نحو ما ورد في الكلب وغيره من النجاسات العينيّة الذاتية الجعليّة.
    ورابعاً : يبعد جدّاً أن يكون المراد معنىً آخر غير ما ذكر ، بأن يراد منه نوع خاصّ من الخباثة قائم بالبدن غير النجاسة ، وغير الخباثة المرادة في قوله تعالى : ( وَيُحَرِّمْ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ ) (1) ، وإنّما يبعد ذلك لعدم معهوديته ، مع أنّه خلاف أصالة وجوب حمل اللفظ على أقرب المعاني المجازية بعد تعذّر الحقيقة ، كما هو ثابت في محلّه.
    وخامساً : وهو جواب نقضي بأنّه لو جاز التشكيك المذكور في الآية الشريفة ، لجاز مثله فيما ورد في الكلب من أنّه نجس ، يعني ما ذكر في تقريب الإشكال ، والحال لم يحتمله أحد من صغار الطلبة.
    وسادساً : لقد عدّ التعبير المذكور في النجاسة الذاتية من أصرح التعبيرات عن النجاسة ، فإنّ الحقيقة الشرعية وإن لم تثبت ، لكنّ الاستعمال الشرعي في تلك المفاهيم ثابت ، ولأجله جرت الاستعمالات عند المتشرّعة عليه حتّى صارت حقيقة عند المتشرّعة ، فيكون المفهوم عند المتشرّعة هو المراد من اللفظ ، وكذا الكلام في أمثال المقام من الألفاظ المستعملة في لسان الشارع ، إذا تعذّر حملها على المعنى العرفي ، فإنّها تحمل على المفهوم عند المتشرّعة ، وإن كان في الأزمنة المتأخّرة (2).
1 ـ الأعراف : 157.
2 ـ اقتباس من كتاب مستمسك العروة الوثقى 1 : 369.


(110)
    وقد أجاب المحقّق البحراني (1) عن هذا الإشكال بعد أن قررّه بقوله : ( وثانياً ) عدم إفادة كلام أهل اللغة كون معنى النجس لغةً هو المعهود شرعاً ، وإنّما ذكر بعضهم أنّه المستقذر ، وقال بعضهم ضدّ الطاهر ، ومن المعلوم أنّ المراد بالطهارة في إطلاقهم معناها اللغوي ، فعلى هذين التفسيرين لا دلالة لها على المعنى المعهود في الشرع فتتوقّف إرادته على ثبوت الحقيقة الشرعيّة أو العرفية المعلوم وجودها في وقت الخطاب ، وفي الثبوت نظر.
    فأجاب ( قدس سره ) : بأنّ النجس في اللغة وإن كان كما ذكره إلاّ أنّه في عرفهم ( عليهم السلام ) كما لا يخفى على من تتبّع الأخبار وجاس خلال تلك الديار ، إنّما يستعمل في المعنى الشرعي ، وتنظر المورد في ثبوت الحقيقة العرفية في زمن الخطاب ـ بمعنى أنّ عرفهم ( عليهم السلام ) متأخّر عن زمان نزول الآية عليه ( صلى الله عليه وآله ) ، فلا يمكن حمل الآية عليه ـ مردود بأنّ عرفهم ( عليهم السلام ) في الأحكام الشرعية وفتاويهم وأمرهم ونهيهم في ذلك راجع في الحقيقة إليه ( صلى الله عليه وآله ) ; فإنّهم نقلة عنه وحفظة شرعه وتراجمة لوحيه ، كما استفاضت به أخبارهم.
1 ـ الحدائق 5 : 165.

(111)
    الرابع : من آداب المناضرة تساوي الدليل مع المدّعى ، فلا يصحّ أن يكون الدليل أخصّ أو أعمّ من المدّعى ، فقيل فيما نحن فيه : أنّ مفاد الآية أخصّ من المدّعى ، فإنّ المدّعي ، مطلق الكفّار ومفاد الآية خصوص المشرك.
    واُجيب عنه :
    أوّلا : بأنّ الدليل إنّما يتمّ مع عدم القول بالفصل ـ كما في الإجماع المركّب ، وأشار إلى هذا المعنى صاحب الجواهر كما مرّ ، إلاّ أنّ صاحب المستمسك قال بأنّه خروج عن التمسّك بالآية ـ.
    وثانياً : بضميمة ما دلّ على كون اليهود والنصارى من المشركين أيضاً ، كقوله تعالى : ( وَقالَتِ اليَهودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ) إلى قوله تعالى : ( سُبْحانهُ عَمَّا يُشْرِكونَ ) (1) ، وكذلك الآيات الاُخرى في المسيح عيسى بن مريم الدالّة على شرك النصارى.
    لكنّ صاحب المستمسك أشكل على ذلك : بأنّ نسبة الإشراك إليهم ليست على الحقيقة ، فإنّ ذلك خلاف الآيات والروايات ، وخلاف المفهوم منها عند المتشرّعة والعرف ، فيتعيّن حمله على التجوّز في الأسناد ، وليس الكلام وارداً في مقام جعل الحكم ، ليؤخذ بإطلاق التنزيل كي يثبت حكم المشركين لهم. مع أنّه لا يطّرد في من لا يقول منهم بذلك ، ولا في المجوس ، ولا في غيرهم
1 ـ التوبة : 30 ـ 31.

(112)
من الكفّار غير المشركين (1). انتهى.
    وأجاب صاحب الحدائق عن هذا الإشكال بعد تقريره بقوله : إنّه على تقدير التسليم ، فالآية مختصّة بمن صدق عليه عنوان الشرك ، والمدّعى أعمّ منه ، فأجاب : يصدق عنوان الشرك على أهل الكتاب بقوله سبحانه : ( وَقالَتِ اليَهودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى المَسيحُ ابْنُ اللهِ ) إلى قوله سبحانه : ( عَمَّا يُشْرِكونَ ) (2) ، ثمّ قال : وبالجملة فإنّ دلالة الآية على النجاسة كنجاسة الكلاب ونحوهما ممّا لا إشكال فيه (3).
1 ـ مستمسك العروة الوثقى 1 : 369.
2 ـ التوبة : 30.
3 ـ الحدائق الناضرة 5 : 166.


(113)
    الخامس : ربما يقال أنّ النَجَس ـ بفتحتين ـ والنَجِس ـ بفتحة وكسرة ـ بمعنىً واحد ، أو أنّه يحمل المصدر على الذات للمبالغة ، إلاّ أنّه عند صدور الآية الشريفة ونزولها لا يدرى ماذا كان معنى النجس ـ بفتحتين ـ ، فلا دليل لنا على أنّه المراد من النجس هو القذارة الظاهرية والعينيّة كالكلب ، بل يحتمل أن يكون المراد القذارة المعنوية ، كما وعليها القرينة فيما نحن فيه ، فإنّه لو كان المراد القذارة العينيّة ، فإنّها لا تضرّ إدخالها في الحرم الشريف ، فمنديل ملطخ بدم يجوز إدخاله في الحرم ، ما دام لم ينجس المسجد ولم يوجب هتك حرمته.
    وأمّا القذارة المعنوية فلتصويرها مجال ، فإنّ هؤلاء المشركين لا يعرفون صاحب البيت ولا يعتقدون به ، فكيف يقربوا المسجد الحرام وبيت الله المقدّس ؟
    فتدلّ الآية حينئذ على النجاسة الحكميّة والمعنوية.
    وربما هذا الإشكال لا يمكن الذبّ عنه ، ويمكن تقريره بوجه آخر ، وهو : إنّ الآية لا تدل على ّالنجاسة الذاتية ، وإن ذهب المشهور إلى ذلك ، على أنّ النجس مصدر ، ولا يحمل على الذات إلاّ بنحو الادّعاء والتجوّز كزيد عدل ، وإنّ المشركين عين النجاسة ، بمعنى القذارة ـ أي المعنى اللغوي ـ والشارع قد تصرّف في بعض المصاديق كالكلب المعلّم فإنّه عند العرف لا يعدّ قذراً ، ولكنّ الشارع جعله نجساً وحكم عليه بالقذارة خلافاً للعرف ، كما أنّ المخاط عند العرف قذراً ولكنّ الشارع حكم بطهارته ، فالشارع يتحكّم في المصاديق والمفاهيم العرفية كما في البيع والزّنا ، فالمشرك عند الشارع قذر فاستعمل في معناه اللغوي ، إلاّ أنّه بتصرّف من الشارع ، فاُشكل عليه بأنّ النجاسة المعنوية والخبث الباطني ليس بمعنى النجاسة الذاتية ،


(114)
وصحيح أنّ الشارع من حقّه أن يتدخّل في تحديد المفاهيم والمصاديق العرفية كما في البيع ، ولكنّ القذارة عند العرف على قسمين :
    فتارة قذر خارجي كالغائط والبول ، واُخرى معنوي ليس له وجود خارجي ، ففي استعمال أهل اللغة : نجّسته الذنوب واستقذرته المعاصي ، فإنّ النجاسة والقذارة هنا ليست حسيّة ، بل هي معنوية وباطنية ، والمشركون نجس بالمعنى الثاني أي القذارة الباطنيّة ، ويدلّ عليها ذيل الآية الشريفة ( فَلا يَقْرَبوا المَسْجِدَ الحَرامَ ) (1) ، فمن كان قذراً في المعنى والباطن فإنّه لا يدخل المسجد الحرام الذي هو محلّ الطيّبين ، وهذا إذا لم يكن هو الصريح أو الظاهر فإنّه محتمل على كلّ حال ، فلا يؤخذ بالآية الشريفة.
    وربما يجاب أنّ المنافق أشدّ من الكفر كما ورد في كثير من الروايات ، والحال المنافق يدخل المسجد الحرام ، فتأمل.
    عود على بدء :
    من الآيات التي استدلّ بها على نجاسة الكفّار قوله تعالى : ( كَذلِكَ يَجْعَلِ اللهُ الرِّجْسَ عَلى الَّذينَ لا يُؤْمِنونَ ) (2).
    أشار إلى هذا المعنى المحقّق السبزواري (3) ، إلاّ أنّه قال : وفيه نظر ، لأ نّا لا نسلّم أنّ الرجس بمعنى النجس لغةً وعرفاً ، ولم يثبت كونه حقيقة شرعية فيه ، قال المحقّق : لا يقال : الرّجس العذاب رجوعاً إلى أهل التفسير ، لأ نّا نقول :
1 ـ التوبة : 28.
2 ـ الأنعام : 125.
3 ـ ذخيرة المعاد : 150 ، الطبعة الحجرية.


(115)
حقيقة اللفظ يعطي ما ذكرناه فلا يستند إلى مفسّر برأيه ، ولأنّ الرجس اسمٌ لما يكره ، فهو يقع على موارده بالتواطؤ فيحمل على الجميع عملا بالإطلاق ، وفيه نظر. فإنّ كون حقيقة اللفظ معطيّة لما ذكره محلّ تأمّل ، فإنّ الرجس لغةً يجيء لمعان ، منها : القذر والعمل المؤدّي إلى العذاب والشكّ والعقاب والغضب والمأثم ، وكلّ ما استقذر من عمل ، وإثبات أنّه حقيقة في البعض مجاز في غيره ، يحتاج إلى دليل ، مع ما قيل من أنّ المتبادر من سوق الآية إرادة الغضب والعذاب كما ذكره أكثر المفسّرين على أنّ النجس بالمعنى الشرعي ليس من جملة تلك المعاني ، فلا ينفع الاشتراك المعنوي ، سلّمنا ، لكنّ إطلاقه على ما يكره لا يقتضي وجوب حمله على جميع موارده على سبيل العموم ، لأنّ صدق المطلق لا يقتضي صدق جميع أفراده ، انتهى كلامه.
    وجاء في مدارك الأحكام (1) : واحتجّ عليه ـ على نجاسة الكفّار ـ بقوله تعالى : ( إنَّما المُشْرِكونَ نَجَسٌ ) (2) والإضمار ـ بتقدر ذو كما مرّ ـ خلاف الأصل ، والإخبار عن الذات بالمصادر شائع إذا كثرت معانيها في الذات ، كما يقال : رجل عدل.
    وقوله تعالى : ( كَذلِكَ يَجْعَلِ اللهُ الرِّجْسَ عَلى الَّذينَ لا يُؤْمِنونَ ) (3) ثمّ قال : لا يقال : الرجس : العذاب رجوعاً إلى أهل التفسير ، لأ نّا نقول : حقيقة اللفظ تعطي ما ذكرناه ، فلا يستند إلى مفسّر برايه ، ولأنّ الرجس إسم لما يكره ، فهو يقع على موارده بالتواطؤ فيحمل على الجميع عملا بالإطلاق (4).
    وفيهما معاً نظر : أمّا الأوّل ، فلأنّ النجس لغة المستقذر ، قال الهروي في تفسير
1 ـ مدارك الأحكام 2 : 294.
2 ـ التوبة : 28.
3 ـ الأنعام : 125.
4 ـ المعتبر 1 : 69.


(116)
الآية : يقال لكلّ مستقذر نجس. والمستقذر أعمّ من النجس بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء ، والواجب حمل اللفظ على الحقيقة اللغوية عند انتفاء المعنى الشرعي ، وهو غير ثابت هنا ، سلّمنا أنّ المراد بالنجس المعنى المصطلح عليه عند الفقهاء ، لكنّ اللازم من ذلك نجاسة المشرك خاصّة وهو أخصّ من المدّعى ـ لقد ذكرنا هذا الإشكال وأجبنا عنه بوجوه كما مرّ ـ إذ من المعلوم أنّ من أفراد الكافر ما ليس بمشرك قطعاً ، فلا يصحّ لإثبات الحكم على وجه العموم.
    وأمّا الثاني ، فلأنّ الرجس لغةً يجيء لمعان : منها : القذر والعمل المؤدّي إلى العذاب والشكّ والعقاب والغضب. والظاهر أنّ إطلاقه على سبيل الاشتراك اللفظي ، فيكون مجملا محتاجاً في تعيين المراد منه إلى القرينة ، على أنّ المتبادر من سوق الآية إرادة الغضب والعذاب كما ذكره أكثر المفسّرين.
    وقوله : إنّ الرجس اسمٌ لما يكره فهو يقع على موارده بالتواطؤ فيحمل على الجميع عملا بالإطلاق ، غير جيّد. أمّا أولا : فلأنّ إطلاق اسم الرجس على ما يكره لم يذكره أحد ممّا وصل إلينا كلامه من أهل اللغة ، ولا نقله ناقل من أهل التفسير ، فلا يمكن التعلّق به. وأمّا ثانياً : فلأنّ إطلاقه على ما يكره لا يقتضي وجوب حمله على جميع موارده التي يقع عليها اللفظ بطريق التواطؤ ، لانتفاء ما يدلّ على العموم. انتهى موضع الحاجة من كلامه.
    ومن الآيات التي يستدلّ بها على نجاسة الكفّار ـ كما جاء ذلك في كتاب جامع أخبار الشيعة (1) ـ قوله تعالى : ( سَيَحْلِفونَ بِاللهِ لَكُمْ إذا انْقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ لِتُعْرِضوا عَنْهُمْ فَأعْرِضوا عَنْهُمْ إنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأواهُمْ جَهَنَّم جَزاء بِما كانوا يَكْسِبونَ ) (2).
1 ـ جامع أخبار الشيعة 2 : 112 ، المطبعة العلمية ـ قم.
2 ـ التوبة : 95.


(117)
    المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد كتاب الله الكريم هو السنّة الشريفة المتمثّلة بقول المعصوم ( عليه السلام ) وفعله وتقريره ، وهو العمدة في الباب ، فإنّ القرآن الكريم إنّما هو إطلاقات وعمومات وكليّات ، وبيانها وتحديدها وشرائطها وأجزاءها وموانعها ، إنّما هو في السنّة الشريفة من الأخبار النبوية والولوية.
    وإليك الأخبار الدالّة على نجاسة الكفّار :
    1 ـ منها : موثّقة الصدوق عليه الرحمة :
    محمّد بن علي بن الحسين ، بإسناده ، عن سعيد الأعرج ، أنّه سأل الصادق ( عليه السلام ) عن سؤر اليهودي والنصراني ، أيؤكل أو يشرب ؟ قال : لا (1).
    ورواه الكليني والشيخ في الحسن عن سعيد عنه ، لكن بإسقاط قوله : « أيؤكل ويشرب ».
    2 ـ وما رواه الشيخ في الصحيح :
    وعن أبي علي الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن العلا
1 ـ الوسائل 16 : 385 ، الباب 54 من الأطمعة ، الحديث 1.

(118)
ابن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، في رجل صافح رجلا مجوسياً ، فقال : يغسل يده ولا يتوضّأ. ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان : مثله (1).
    3 ـ ورواية أبي بصير :
    وعن حميد بن زياد ، وعن الحسن بن محمّد ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أحدهما ( عليهما السلام ) ، في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني ، قال : من وراء الثوب ، فإن صافحك بيده فاغسل يدك. ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم ، عن علي ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : مثله (2).
    4 ـ وصحيحة محمّد بن مسلم :
    محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن العلا بن زرين ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن آنية أهل الذمّة والمجوس ، فقال : لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر (3).
    5 ـ وصحيحة علي بن جعفر :
    وبإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، قال : سألته عن فراش اليهودي والنصراني ينام
1 ـ الوسائل 2 : 1018 ، الباب 14 من أبواب النجاسات ، الحديث 3.
2 ـ المصدر ، الحديث 5.
3 ـ المصدر ، الحديث 1.


(119)
عليه ؟ قال : لا بأس ، ولا يصلّي فى ثيابهما ، وقال : لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة ، ولا يقعده على فراشه ولا مسجده ولا يصافحه. قال : وسألته عن رجل اشترى ثوباً من السوق للبس لا يدري لمن كان ، هل تصلح الصلاة فيه ؟ قال : إن اشتراه من مسلم فليصلّ فيه ، وإن اشتراه من نصراني فلا يصلّي فيه حتّى يغسله (1).
    6 ـ ورواية الكافي عن علي بن جعفر :
    وعن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ، قال : سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة وأرقد معه على فراش واحد واُصافحه ؟ قال : لا (2).
    7 ـ ورواية هارون بن خارجة :
    وعنهم ، عن أحمد ، عن اسماعيل بن مهران ، عن محمّد بن زياد ، عن هارون ابن خارجة ، قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إنّي اُخالط المجوس فآكل من طعامهم ؟ فقال : لا (3).
    8 ـ ورواية سماعة :
    محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله ، قال : سألته عن طعام أهل الذمّة ما يحلّ منه ؟ قال : الحبوب (4).
1 ـ المصدر ، الحديث 10.
2 ـ المصدر ، الحديث 6.
3 ـ المصدر ، الحديث 7.
4 ـ الوسائل 16 : 381 ، الباب 51 من الأطعمة ، الحديث 1.


(120)
    9 ـ وصحيحة علي بن جعفر :
    وبإسناده عن علي بن جعفر ، أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر ( عليه السلام ) عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام ، قال : إذا علم أنّه نصراني اغتسل بغير ماء الحمّام ، إلاّ أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثمّ يغتسل. وسأله عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : لا ، إلاّ أن يضطرّ إليه (1).
    قال المحقّق البحراني (2) ، بعد نقل الأخبار ، وفي ذيل الخبر الأخير في تفسيره وبيانه : الظاهر أنّ المعنى في صدر هذا الخبر أنّه سأله عن النصراني والمسلم يجتمعان في الحمّام لأجل الغسل ـ والمراد بالحمّام ماؤه الذي في حياضه الصغار التي هي أقلّ من كرّ ـ فقال ( عليه السلام ) : إن علم أنّه نصراني وقد وضع يده فيه أو يريد ذلك اغتسل بغير ذلك الماء من الحمّام أو غيره ، إلاّ أن يكون بعد اغتسال النصراني ويريد الاغتسال وحده ، فإنّه يغسل الحوض لنجاسته بملاقاة النصراني له وأخذه الماء منه ثمّ يجري عليه الماء من المادّة ، وهو يشعر بعدم اتّصال المادّة حال اغتسال النصراني منه ، وأمّا ما ذكره في آخر الخبر من قوله : « إلاّ أن يضطرّ إليه » فالظاهر حمل الاضطرار على ما توجبه التقيّة.
    قال في المعالم بعد ذكر الرواية المذكورة : والمعنى في صدر هذه الرواية لا يخلو من خفاء ، وكأنّ المراد به أنّ اجتماع المسلم والنصراني حال الاغتسال موجب لإصابة ما يتقاطر من بدن النصراني لبدن المسلم فينجسه ، ولازم ذلك عدم صحّة الغسل بماء الحمّام حينئذ وتعيّن الاغتسال بغيره ، وأمّا إذا اغتسلا
1 ـ الوسائل 2 : 1020 ، الباب 14 ، الحديث 9.
2 ـ الحدائق الناضرة 5 : 167.
زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار ::: فهرس