|
|||
(181)
والاختلاف بينهما يكون بالاعتبار ـ ذهب بعض الصوفية إلى ذلك ـ وعندما لا يصحّ تعقّل ذلك التزموا بخلاف الظاهر ، بأنّ المراد من وحدة الوجود بأنّ الوجود واحد والموجود متعدّد ومتكثّر ، نسب هذا المعتقد والمبنى إلى بعض المتألّهين ، وبعضهم كصدرهم وعرفائهم ذهبوا : إلى تعدّد الوجود والموجود ، إلاّ أنّه في عين كثرتهما واحد.
وحينئذ نقول : ما المراد من قولكم : القائل بكلمة التوحيد إن كان المراد ( لا إله إلاّ الله ) فإنّها لا تتعلّق بوحدة الوجود وكثرته ، فإنّها في مقام تعدّد آلهة ووحدة المعبود سبحانه ، فإنّه وحده لا شريك له. وأمّا من قال بوحدة الوجود الشخصية وهو الموجود وليس إلاّ وجود واحد والباقي اعتبارية ، فهذا من الكفر والزندقة ، إذ لازمه نفي الخالق والمخلوق ، وكلّ شيء سوى الوجود الواحد الشخصي الحقيقي عندهم ، فهذا كفر يوجب النجاسة ، ولا معنى لتقيّد هؤلاء بالتزامهم أحكام الإسلام. وأمّا الوحدة الشخصية في الوجود وأنّ الكثرة في الماهيات الموجودة ، فالوجود الحقيقي هو ذات الله سبحانه واحد لا ماهية فيه فإن ماهيته إنيّته ـ أي : وجوده ـ ، والتكثّر من جهة الموجودات وذات الماهيات ، فإنّما يتمّ هذا بناء على أصالة الماهيّة ، ولا إشكال فيه إلاّ أنّ اختيار صدر المتألّهين والفلاسفة المشّائيين أصالة الوجود ، ولا يتعقّل ذلك على مبناه ، وقد قرّبه المحقّق السبزواري بتعدّد المرائي ووقوف شخص واحد أمامها ، فإنّ الصورة تتعدّد ، إلاّ أنّ الحقيقة واحدة ، فإن كان مراده مجرّد التقريب فلا ضير فيه ، إلاّ أنّه لا يتمّ ذلك ، فإنّه في الخارج مخلوق بفعل الله لا بالعلّة والمعلول ، بل بالفعل والفاعل ، وإن كان مراده مجرّد التشبيه ، أي ذات الباري واحد والصور لمعات وتجليات منه ، فهذا باطل أيضاً ، (182)
فإنّه يلزمه القول بأنّه نحن لمعات ربّ العالمين ، فلا حاجة إلى النبيّ فيلزمه الكفر ، إذ مقولته تنتهي إلى إنكاره النبوّة ، وواضح حكمه كما مرّ حتّى لو التزم بأحكام الإسلام.
أمّا سائر الفرق الشيعية غير الإمامية الإثنى عشرية كالزيدية والإسماعيلية والواقفية وغيرهم ، فإنّ السيّد في عروته ذهب إلى طهارتهم بشرط أن لا يظهروا العداوة مع سائر الأئمّة الأطهار الذين لا يعتقدون بإمامتهم ، وأن لا يسبّونهم ( عليهم السلام ) ، وإلاّ فيحكم بنجاستهم. ولكن لم يكن لنا دليل على أن من يسبّ الأئمّة الأطهار فإنّه نجس ، نعم لو كان ذلك من باب إظهار العداء والبغضاء والنصب ، فإنّه يحكم عليه بحكم الناصبي ويحكم بكفره للأدلّة التي مرّت ، وإن كان الداعي أمر آخر كأن يكون في حالة الغضب ، فلا دليل لنا على كفره بعد قوله الشهادتين التي توجب الإسلام والطهارة. نعم سبّ الأئمة الأطهار يوجب مهدورية الدم ، فكل من سمع من يسبّهم أو أحدهم وكذلك فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ( عليها السلام ) والرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) فله أن يقتله إذا أمن الفساد ، وفي ذلك روايات عديدة كما في كتاب الحدود والقصاص في حدّ السبّ (1). وبقي ما لم يذكره السيّد اليزدي ( قدس سره ) في العروة ، وهو حكم المخالفين غير الخوارج والغلاة والنواصب والمجسّمة ، وهم الذين خالفوا الحقّ وأنكروا مقام الولاية ، حيث أنّا نعتقد أنّ للنّبي الأكرم محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ثلاث مقامات إلهية : 1 ـ لقد ذكرنا تفصيل ذلك في كتابنا « القصاص على ضوء القرآن والسّنة » ، مطبوع ، فراجع المجلّد الأوّل. (183)
1 ـ النبوّة ، وذلك بالأصالة يوحى إليه.
2 ـ الزعامة والولاية وزمام اُمور المسلمين بيده. 3 ـ أنّه كان مبلِّغ الحلال والحرام. وعقيدتنا أنّ المنصبين الأخيرين دون النبوّة قد جعلت بأمر من الله سبحانه ، ووضعت في الأئمة المعصومين الاثني عشر الأطهار ( عليهم السلام ) ، أوّلهم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) وآخرهم الحجّة بن الحسن العسكري صاحب الزمان ( عليه السلام ) وعجّل الله فرجه الشريف. وهذان المنصبان غير المحبّة والمودة والولاء الذي يتعلّق بالناس ، فإنّ هذا من فروع الدين وتلك الولاية من اُصوله ، بعبارة اُخرى الولاية باعتبار المنصب الإلهي وأنّه من فعل الله سبحانه كالنبوّة ، وأنّه من اللطف ، فيدخل في مباحث علم الكلام ، وأنّه من اُصول الدين ، وباعتبار أنّه يرتبط بأفعال الناس وأنّهم اُمروا بمودّتهم ومحبّتهم تعظيماً للرسالة وأجراً لها ( قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ في القُرْبى ) ، فهذا من فروع الدين ، والذي يعبّر عنه بالتولّي والتبرّي (1). والمخالفون يعتقدون بالمودّة ، بل وعندهم من لم يصلِّ عليهم فلا صلاة له ، إلاّ أنّهم لا يقولون بالزعامة لهم والولاية على المسلمين ، وغاية ما عندهم من المعرفة بمقامهم الشامخ أنّهم أحد العلماء الصلحاء المبلِّغين للرسالة المحمّدية ، فلا يعترفون بمقام الولاية ووجوب إطاعتهم ، وأنّهم اُولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم ، فهؤلاء المخالفون ذهب المشهور من علمائنا الأعلام إلى طهارتهم ، إلاّ أنّ صاحب الحدائق والسيّد المرتضى وبعض يذهبون إلى كفرهم ونجاستهم ، 1 ـ ذكرت هذا المعنى بالتفصيل في كتابي « عقائد المؤمنين » و « دروس اليقين في معرفة اُصول الدين » ، وهما مطبوعان. (184)
ولا بدّ من دليل على ذلك ، إمّا بإنكارهم الضروري بما هو ضروري وإن لم يلزم منه إنكار التوحيد والرسالة ، وأنّ الولاية من الضروريات فمنكرها كافر ، كما ذهب إلى هذا المعنى صاحب الحدائق ، بناءً على أنّ قصّة الغدير ونصب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في آخر حياة النبيّ أصبح من ضروريات الدين وإنكاره يوجب الكفر ، ولكنّ صغرى المسألة وكبراها محلّ إشكال ، فإنكار الضروري بما هو ضروري ما دام لم يرجع إلى إنكار التوحيد أو الرسالة فإنّه ليس من الإنكار الموجب للكفر ، كما أنّ ولاية الأمير ( عليه السلام ) لم يكن ضرورياً لجميع الناس في آخر أيّام النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وإلاّ لما تجشّم الاستدلال علماء الشيعة في إثبات الغدير.
نعم ربّما يتمسّك على كفرهم بروايات ، إلاّ أنّه استثنى صاحب الحدائق المستضعفين منهم بأنّهم ضلّوا الطريق ، فلا يثبتون الولاية ولا ينكرونها. فمن الروايات ما جاء في الكافي (1) : علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن أبي سلمة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : سمعته يقول : نحن الذين فرض الله طاعتنا ، لا يسع الناس إلاّ معرفتنا ، ولا يعذر الناس بجهالتنا ، من عرفنا كان مؤمناً ، ومن أنكرنا كان كافراً ، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاّ ، حتّى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة ، فإن يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء. ورواية يونس ولا يبعد اعتبارها سنداً. الكافي : علي ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمّد بن الفضيل ، قال : سألته عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى الله عزّوجلّ ، قال : أفضل ما يتقرّب به العباد إلى الله عزّوجلّ طاعة الله وطاعة رسوله 1 ـ الكافي 1 : 187 ، الباب الثامن فرض طاعة الأئمة ، الحديث 11. وفي الباب 17 حديثاً. (185)
وطاعة اُولي الأمر. قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : حبّنا إيمان ، وبغضنا كفر (1).
ولكن يحمل هذا الكفر على ما يقابل الإيمان الذي في القلب ، لا الكفر بالله الذي يقابل الإسلام ، وذلك جمعاً بين الروايات ـ كما مرّ ـ فإنّ في بعضها دلالة على إسلامهم ، وأنّه بقولهم الشهادتين يُحقن دمهم ، ويحفظ مالهم وعرضهم ، كما جاء ذلك في موثّقة سماعة (2) : محمّد ، عن أحمد ، عن السّراد ، عن جميل بن صالح ، عن سماعة ، قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان ؟ فقال : إنّ الإيمان يشارك الإسلام ، والإسلام لا يشارك الإيمان ، فقلت : فصفهما لي ؟ فقال : الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله ، والتصديق برسول الله ، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس ... إلى آخره (3). ومعنى « وعلى ظاهره جماعة الناس » ، أنّه يحكم عليهم بالإسلام كما في صحيحة حمران بن أعين (4) : العدة ، عن سهل ومحمّد بن أحمد ، جميعاً عن السّراد ، عن ابن رئاب ، عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : سمعته يقول : « الإيمان ما استقرّ في القلب وأفضى به إلى الله ، وصدّقه العمل بالطاعة لله والتسليم لأمر الله. والإسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها وبه حقنت الدماء ... ». 1 ـ الوافي 3 : 77. 2 ـ الكافي 2 : 25. 3 ـ الكافي 1 : 187 ، الحديث 12. 4 ـ الكافي 2 : 26. (186)
فاتّضح وجه الجمع بين الروايات ، فغير الناصبي ومن هو بحكمه يحكم عليه بالطهارة.
إلاّ أنّه لا بأس أن نذكر ما قاله المحقّق البحراني في حدائقه الناضرة (1) في نجاسة المخالفين ، لما فيه من التحمّس الولائي والتفاني المذهبي في ولاء أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فإنّ هناك في يومنا هذا من يذهب إلى هذا النوع من التحمّس عند طائفة ويعبّر عنهم بالولائيين. فقال عليه الرحمة ملخّصاً : المشهور بين متأخّري الأصحاب هو الحكم بإسلام المخالفين وطهارتهم ، وخصّوا الكفر والنجاسة بالناصب ، كما أشرنا إليه في صدر الفصل وهو عندهم من أظهر عداوة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، والمشهور في كلام أصحابنا المتقدّمين هو الحكم بكفرهم ونصبهم ونجاستهم ، وهو المؤيّد بالروايات الإماميّة ، ثمّ يذكر ما قاله الشيخ ابن نوبخت بأنّ دافع نصّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كافر عند جمهور أصحابنا ، ومن أصحابنا من يفسّقه ، وقول العلاّمة في شرحه على كلام ابن النوبخت على أنّ إمرة الأمير ( عليه السلام ) معلوم بالتواتر ، فإنكاره إنكار لضروري من ضروريات الدين كالصلاة والصوم الموجب للكفر والنجاسة ، كما يذكر ما جاء في المنتهى وما قاله الشيخ المفيد في المقنعة بأنّه لا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل مخالفاً للحقّ في الولاية ولا يصلّي عليه ، ونحوه ما قاله ابن البرّاج وما قاله الشيخ في التهذيب بأنّ الوجه فيه على أنّ المخالف كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكفّار إلاّ ما خرج بالدليل ، وما قاله ابن إدريس في السرائر ومذهب المرتضى ، وما قاله المولى محمّد صالح المازندراني في شرح اُصول الكافي ، وما قاله القاضي 1 ـ الحدائق الناضرة 5 : 174. (187)
نور الله في كتاب إحقاق الحقّ ، وما قاله المولى المحقّق أبو الحسن الشريف ، ثمّ قال : وعندي أنّ كفر هؤلاء من أوضح الواضحات في مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ، انتهى. ثمّ قال المصنّف : هذا والمفهوم من الأخبار المستفيضة هو كفر المخالف الغير المستضعف ونصبه ونجاسته ، وممّن صرّح بالنصب والنجاسة أيضاً جمع من أصحابنا المتأخّرين منهم شيخنا الشهيد الثاني في بحث السؤر من الروض وأنّ المراد من الناصبي من نصب العداوة لأهل البيت ( عليهم السلام ) أو لأحدهم وأظهر البغضاء لهم صريحاً أو لزوماً ككراهة ذكرهم ونشر فضائلهم والإعراض عن مناقبهم من حيث إنّها مناقبهم والعداوة لمحبّيهم بسبب محبّتهم ، وروى الصدوق ابن بابويه عن عبد الله بن سنان عن الصادق ( عليه السلام ) : « قال : ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ، لأ نّك لا تجد أحداً يقول أنا اُبغض محمّداً وآل محمّد ، ولكنّ الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنّكم تتولّونا وأنّكم من شيعتنا » ـ وهذا يعني أنّ الوهابية في يومنا هذا لحقدهم على الشيعة يلزم أن ينطبق عليهم عنوان النصب ويجري عليهم أحكام الناصبي حينئذ ـ وفي بعض الأخبار : « أنّ كلّ من قدّم الجبت والطاغوت فهو ناصب » ، واختاره بعض الأصحاب ... ثمّ قال بعد نقل عبارة السيّد نعمة الله الجزائري من كتابه الأنوار النعمانية : وقد تفطّن شيخنا الشهيد الثاني من الاطّلاع على غرائب الأخبار فذهب إلى أنّ الناصبي هو الذي نصب العداوة لشيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) وتظاهر في القدح فيهم ، كما هو حال أكثر المخالفين لنا في هذه الأعصار في كلّ الأمصار ... إلى آخر كلامه زيد في علوّ مقامه. وهو الحقّ المدلول عليه بأخبار العترة الأطهار كما ستأتيك إن شاء الله ساطعة الأنوار. ثمّ يذكر من يذهب إلى طهارة المخالفين وأنّ أوّل ما قال بها هو العلاّمة الحلّي ( قدس سره ) ، ومعروف عند الأخباريين أنّ الإسلام تهدّمت أركانه بالسقيفة وبولادة العلاّمة
(188)
الحلّي لأنّه فتح أبواب الاجتهاد على مصراعيها ، ومن هذا المنطلق نرى بعضهم يتهجّم عليه وعلى مثل المحقّق الحلّي ( قدس سرهما ) ، مع أنّهما قدّما أكبر خدمة للطائفة بمصنّفاتهما القيّمة ، وأحيا المذهب ونجّيا الشيعة من الجمود الفكري كما عند الأخباريين وعند أبناء العامّة ، فجزاهما الله عن الإسلام وأهله والمذهب وخاصّته ، خير الجزاء وأحسن العطاء ، فقال الشيخ البحراني : إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ من جملة من صرّح بطهارة المخالفين بل ربما كان هو الأصل في الخلاف في هذه المسألة في القول بإسلامهم وما يترتّب عليه : المحقّق في المعتبر ، حيث قال : أسآر المسلمين طاهرة وإن اختلفت آراؤهم عدا الخوارج والغلاة. وقال الشيخ في المبسوط بنجاسة المجبّرة والمجسّمة ، وصرّح بعض المتأخّرين بنجاسة من لم يعتقد الحقّ عدا المستضعف. لنا : أنّ النّبيّ ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن يجتنب سؤر أحدهم وكان يشرب من المواضع التي تشرب منها عائشة ، وبعده لم يجتنب عليّ ( عليه السلام ) سؤر أحد من الصحابة مع مباينتهم له ، ولا يقال أنّ ذلك كان تقيّة لأنّه لا يصار إليها إلاّ مع الدلالة ، وعنه ( عليه السلام ) أنّه سُئل : أيتوضّأ من فضل جماعة المسلمين أحبّ إليك ، أو يتوضّأ من ركو أبيض مخمر ؟ فقال : « بل من فضل وضوء جماعة المسلمين ، فإنّ أحبّ دينكم إلى الله تعالى الحنفية السمحة » ، ذكره أبو جعفر بن بابويه في كتابه. وعن العيص بن القاسم عن الصادق ( عليه السلام ) : « إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يغتسل هو وعائشة من إناء واحد » ، ولأنّ النجاسة حكم مستفاد من الشرع فيقف على الدلالة ، أمّا الخوارج فيقدحون في عليّ ( عليه السلام ) ، وقد علم من الدين تحريم ذلك ، فهم بهذا الاعتبار داخلون في الكفر لخروجهم عن الإجماع ، وهم المعنيّون بالنصاب. انتهى كلامه زيد مقامه ...
ثمّ يقول المصنّف : وعندي فيه نظر من وجوه ، ثم يذكر وجوهاً أربعة ، (189)
وخلاصة الأوّل : أنّ الكفر لمخالفتهم إنّما هو بعد رحلة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فلا يستدلّ بحديث عائشة والغسل معها ومساورتها ، على أنّه فرق بين النفاق في حياة النبيّ والارتداد بعد موته ، بنقضهم البيعة الغديرية التي هي في ضرورتها أظهر من الشمس ، فقد كشفوا ما كان مستوراً من الداء الدفين ، وارتدّوا ، جهاراً غير منكرين ولا مستخفين كما استفاضت به أخبار الأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) ، فشتّان ما بين الحالتين وما أبعد ما بين الوقتين ، فأيّ عاقل يزعم أنّ اُولئك الكفرة اللئام قد بقوا على ظاهر الإسلام حتّى يستدلّ بهم في هذا المقام ، والحال أنّه قد ورد عنهم ( عليهم السلام ) : « ثلاثة لا يكلّمهم الله تعالى يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم : من ادّعى إمامة من الله ليست له ، ومن جحد إماماً من الله ، ومن زعم أنّ لهما في الإسلام نصيباً » ، نعوذ بالله من زلاّت الأفهام وطغيان الأقلام.
ثمّ قال في الوجه الثاني : إنّ من العجب الذي يضحك الثكلى ، والبيّن البطلان ، الذي أظهر من كلّ شيء وأجلى ، أن يحكم بنجاسة من أنكر ضرورياً من سائر ضروريات الدين وأن يعلم أنّ ذلك منه عن اعتقاد ويقين ، ولا يحكم بنجاسة من يسبّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأخرجه قهراً مقاداً يُساق بين جملة العالمين وأدار الحطب على بيته ليحرقه عليه وعلى من فيه ، وضرب الزهراء ( عليها السلام ) حتّى أسقطها جنينها ولطمها حتّى خرّت لوجهها وخرجت لوعتها وحنينها ، مضافاً إلى غصب الخلافة الذي هو أصل هذه المصائب وبيت هذه الفجائع والنوائب ، ما هذا إلاّ سهو زائد من هذا النحرير وغفلة واضحة عن هذا التحرير ، فيا سبحان الله كأنّه لم يراجع الأخبار الواردة في المقام الدالّة على ارتدادهم عن الإسلام واستحقاقهم القتل منه ( عليه السلام ) لولا الوحدة وعدم المساعد من اُولئك الأنام ، وهل يجوز يا ذوي العقول والأحلام أن يستوجبوا القتل وهم طاهروا الأجسام ؟ (190)
وأيّ دليل على نجاسة ابن زياد ويزيد وكلّ من تابعهم في ذلك الفعل الشنيع الشديد ؟ وأيّ دليل دلّ على نجاسة بني اُميّة الأرجاس وكلّ من حذا حذوهم من كفرة بني العبّاس الذين قد أبادوا الذريّة العلوية وجرّعوهم كؤوس الغصص والمنية ؟ وأيّ حديث صرّح بنجاستهم حتّى يصرّح بنجاسة أئمّتهم ؟ وأيّ ناظر وسامع خفي عليه ما بلغ بهم من أئمة الضلال حتّى يصار إليه إلاّ مع الدلالة ، ولعلّه ( قدس سره ) أيضاً يمنع من نجاسة يزيد وأمثاله من خنازير بني اُميّة وكلاب بني العبّاس لعدم الدليل على كون التقيّة هي المانعة من اجتناب اُولئك الأرجاس.
وبهذه المقولة الخطابية التي تُثير أحاسيس الشيعة المرهفة ويتحمّس لها كلّ شيعي ، يحاول المصنّف أن يتهجّم على المحقّق ( قدس سره ) ، والحال ليس كلّ من وجب قتله كمن كان عليه القود هو نجس ، ثمّ يذكر وجهين آخرين وروايات تدلّ بظاهرها على كفر المخالفين عدا المستضعفين منهم ، ثمّ يتعرّض لمعنى النصب ومن هو الناصبي ويحاول أن يثبت أنّ المخالف هو الناصبي مطلقاً ، فقال : نحن ندّعي دخولهم تحته ـ تحت عنوان الناصب ـ وصدقه عليهم وهم ـ الذين يعتقدون أنّ الناصبي من نصب العداوة لأهل البيت كما عند المشهور ، بل ادّعى الإجماع عليه ـ يمنعون ذلك ودليلنا على ما ذكرنا الأخبار المذكورة الدالّة على أنّ الأمر الذي يعرف به النصب ويوجب الحكم به على من اتّصف به هو تقديم الجبت والطاغوت أو بغض الشيعة ، ولا ريب في صدق ذلك على هؤلاء المخالفين .. وبالجملة فإنّه لا دليل لهم ولا مستند أزيد من وقوعهم في ورطة القول بإسلامهم فتكلّفوا هذه التكلّفات الشاردة والتأويلات الباردة ... ثمّ يذكر المصنّف الروايات الدالّة على نجاسة الناصبي ، ثمّ يتعرّض إلى من ألجأته ضرورة التقيّة إلى المخالطة والحكم بالطهارة لو ارتفعت التقيّة ، (191)
فهل يجب التطهير ؟ يذهب إلى ذلك (1) ، التوقّف والاحتياط ثمّ يذكر حكم الفرق الشيعية غير الإمامية الاثني عشرية ، فيقول : ينبغي أن يعلم أنّ جميع من خرج عن الفرقة الاثنى عشرية من أفراد الشيعة كالزيدية والواقفية والفطحية ونحوها ، فإنّ الظاهر أنّ حكمهم كحكم النواصب فيما ذكرنا ، لأنّ من أنكر واحداً منهم ( عليهم السلام ) كان كمن أنكر الجميع كما وردت به أخبارهم ، ثمّ يذكر الأخبار ، ثمّ قال : ولهذا نقل شيخنا البهائي ( قدس سره ) في مشرق الشمسين أنّ متقدّمي أصحابنا كانوا يسمّون تلك الفرق بالكلاب الممطورة ، أي الكلاب التي أصابها المطر مبالغة في نجاستهم والبعد عنهم ، والله العالم.
ثمّ يتعرّض المصنّف إلى حكم ولد الزنا وولد الكافر ثمّ في المسألة الرابعة يذكر اختلاف الفقهاء في نجاسة أو طهارة المجبّرة والمجسّمة ، ثمّ قال : لا يخفى أنّ ما طوّل به الأصحاب المقال في المجال وتعسّفوه من الاستدلال وكثرة الأقوال مع ما فيه من الإشكال ، بل الاختلاف كلّه إنّما نشأ من القول بإسلام المخالفين ، وإلاّ فإنّه على القول بكفرهم ونصبهم ونجاستهم كما أوضحناه فيما تقدّم لا ثمرة لهذا البحث والاختلاف ، ولا خصوصية لهذه الفرق في البحث دون غيرهم من ذوي الخلاف ، وما ذكره صاحب الذخيرة جرياً على مذهبه وتصلّبه ومبالغته في القول بإسلام المخالفين فهو أوهن من بيت العنكبوت وإنّه لأوهن البيوت ، وقد تقدّم تحقيق البحث في المسألة الاُولى مستوفىً بحمد الله تعالى ، وتقدّم الكلام في خبره المذكور في الكلام 1 ـ لقد حقّقنا مسألة التقية وأحكامها بالتفصيل في كتاب « التقية بين الأعلام » ، مطبوع. ورسالة « التقية بين العلمين الشيخ الأنصاري والإمام الخميني » ، وهو مطبوع أيضاً من قِبل مؤتمر الشيخ الأنصاري ( قدس سره ) ، فراجع. (192)
على كلام المحقّق الذي هو الأصل في هذا القول المنكور والله هو العالم. انتهى كلامه زيد في مقامه.
وأمّا صاحب الجواهر ( قدس سره ) فإنّه بعبقريّته الاُصوليّة يذهب إلى طهارة المخالفين قائلا : وكذا لا يندرج في الضابط المذكور ـ الذي ذكره المصنّف المحقّق الحلّي في ضابط الكافر بأنّه من خرج عن الإسلام أو من انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة كالخوارج والغلاة والنواصب فلا يندرج تحت هذا الضابط ـ معتقد خلاف الحقّ من فرق المسلمين ، كجاحد النصّ على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو في محلّه ، لأنّ الأقوى طهارتهم في مثل هذه الأعصار وإن كان عند ظهور صاحب الأمر ( عليه السلام ) بأبي واُمّي يعاملهم معاملة الكفّار ، كما أنّ الله تعالى شأنه يعاملهم كذلك بعد مفارقة أرواحهم أبدانهم ، وفاقاً للمشهور بين الأصحاب ، سيّما المتأخرين نقلا وتحصيلا ، بل يمكن تحصيل الإجماع كما عن الاُستاذ أنّه معلوم ، بل لعلّه ضروري المذهب للسيرة القاطعة من سائر الفرقة المحقّة في سائر الأعصار والأمصار ، وللقطع بمخالطة الأئمة المرضيين ( عليهم السلام ) وأصحابهم لهم ، حتّى لرؤسائهم ومؤسسي مذهبهم على وجه يقطع بعدم كونه للتقيّة مع أنّ الأصل عدمها فيه ، وإلاّ لعلم كما علم ما هو أعظم منه من السبّ والبراءة ونحوها ـ أي لو كان لبان ـ ولذا حكي الإجماع في كشف اللثام والرياض على عدم احتراز الأئمّة ( عليهم السلام ) وأصحابهم عنهم في شيء من الأزمنة وهو الحجّة بعد الأصل ، بل الاُصول فيهم وفيما يلاقيهم والعمومات وشدّة العسر والحرج على تقدير النجاسة المنفيين بالعقل والآية والرواية وللنصوص المستفيضة بل المتواترة في حلّ ما يوجد في أسواق المسلمين ، والطهارة مع القطع بندرة الإمامية في جميع الأزمنة ، سيّما أزمنة صدور تلك النصوص ، فضلا عن أن يكون لهم سوق يكون مورداً لتلك الأحكام المزبورة ـ هذه التفاتة لطيفة من المصنّف ـ فهو (193)
من أقوى الأدلّة على طهارة هؤلاء الكفرة ، وإن كانوا في المعنى أنجس من الكلاب الممطورة.
ولانحصار مقتضى النجاسة في كفرهم بذلك ، وقد ثبت ضدّه ، وهو صفة الإسلام بشهادة ما دلّ على حصوله بإبراز الشهادتين من الأخبار ، كخبر سفيان ابن السمط المروي هو وما يأتي بعده أيضاً في باب الكفر والإيمان من الكافي ... الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ... وخبر سماعة ... فقال : الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس ... وخبر حمران بن أعين أو صحيحه ... والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها وبه حقنت الدماء .... والحديث طويل فيدخلون حينئذ تحت ما دلّ على طهارة المسلمين ، مضافاً إلى ما في هذه كغيرها من الأخبار أيضاً من ظهور إناطة سائر الأحكام الدنيوية التي منها الطهارة على الإسلام المزبور ، ثمّ يذكر المصنّف وجوهاً اُخرى ويقول : فتحصّل حينئذ أنّه قد يطلق الإسلام على ما يرادف الإيمان ، وعلى المصدّق بغير الولاية ، وعلى مجرّد إظهار الشهادتين ، ويقابله الكفر في الثلاثة كما إنّه يطلق المؤمن على الأوّل وعلى المصدّق بالولاية. فلعلّ ما ورد في الأخبار الكثيرة من تكفير منكر عليّ ( عليه السلام ) لأنّه العلم الذي نصبه الله بينه وبين عباده وأنّه باب من أبواب الجنّة من دخله كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً ، وتكفير منكر مطلق الإمام ، وإنّ من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية ، محمول على إرادة الكافر في مقابل المؤمن بالمعنى الثاني ، ونجاسته بهذا المعنى محلّ البحث ، إذ العمدة في دليلها عموم معاقد الإجماعات (194)
السابقة ، ومن المعلوم إرادة غيره منها ، كيف لا والمشهور هنا شهرة كادت تكون إجماعاً ، بل هي كذلك كما عرفت على الطهارة ، على أنّ ما فيها من العموم اللغوي إنّما يراد به عموم أفراد معنى من معاني الكفر لا عموم معانيه.
نعم ، هو بالمعنى المزبور أخبث باطناً منه بغيره ، بل أشدّ عقاباً ، كما يشير إليه قول الصادق ( عليه السلام ) : « أهل الشام شرّ من أهل الروم ، وأهل المدينة شرّ من أهل مكّة ، وأهل مكّة يكفرون بالله جهرة ) كقول أحدهما ( عليهما السلام ) : « إنّ أهل مكّة يكفرون بالله تعالى جهرة ، وأهل المدينة أخبث منهم سبعين ضعفاً » ، بل هو المعلوم من مذهب الشيعة ، كما علم منه ثبوت كفرين عندهم دنيوي واُخروي ، وخلاف نادر منهم لو تحقّق غير قادح ، أو محمول على إرادة تنزيله منزلة الكافر فيما يتعلّق بالاُمور الاُخروية من شدّة العذاب والخلود فيه ، ودفع وهم أنّهم ربّما يكون لهم الثواب على أعمالهم يوم القيامة ، أو مرتبة اُخروية أو امتياز على الكفّار بسبب قولهم الشهادتين ، فالأئمّة ( عليهم السلام ) أنكروا ذلك أشدّ الإنكار ، ثمّ يرد المصنّف قول السيّد المرتضى واستدلاله على نجاسة مطلق المخالف ، وكذلك ما جاء في الحدائق ، وما جاء عن المفيد في المقنعة من أنّه لا يصلّى عليهم ، أنّه يحتمل إلحاقهم لهم في هذا الحال بعالم الآخرة المحكوم بكفرهم فيه لا مطلقاً ، وردّ ما قاله ابن إدريس في السرائر ، والفاضل محمّد صالح في شرح اُصول الكافي ، والشريف القاضي نور الله في إحقاق الحق ، وما عن جدّه العلاّمة ملاّ أبي الحسن الشريف في شرحه على الكفاية فقال : فإنّه بالغ غاية المبالغة في دعوى وضوح كفرهم حتّى نسبه إلى الأخبار التي بلغت حدّ التواتر واقتفى أثره صاحب الحدائق ، وأطنب في المقال ، لكنّه لم يأت بشيء يورث شكّاً في شيء ممّا ذكرناه أو إشكالا ، إذ أقصى ما عنده التمسّك بالأخبار التي قد عرفت حالها وما يعارضها. (195)
ثمّ يتعرّض المصنّف إلى تحقيق معنى الناصب ، ويجيب عمّن يرى أنّه من نصب عداوة الشيعة أيضاً فقال : وهو ـ مع معلومية بطلانه بالسيرة القاطعة والعمل المستمرّ ، ولذا نسبه في نكاح الفقيه إلى الجهلاء ، فقال : ( والجهلاء يتوهّمون أنّ كلّ مخالف ناصب ، وليس كذلك ) إلى آخره. ومع أنّا لم نعرف له شاهداً أصلا عدا الخبر المتقدّم المغضي عن سنده والمحتمل لإرادة تنزيله منزلته بالنسبة للعذاب وغيره من أحكام الكفّار نحو ما تقدّم فيما ورد بكفره ـ مخالف للمستفاد من أهل اللغة وكلام الأصحاب وأخبار الباب إذ النصب كما عن الصحاح وغيره العداوة ، وتحقّقها عرفاً بمجرّد تقديم فلان وفلان ولو لشبهة قصّر في دفعها محل منع. ثمّ يذكر المصنّف مؤيّدات لقوله هذا سيّما السيرة القاطعة في سائر الأعصار والأمصار على مساورة المخالفين ومخالطتهم ثمّ قال : والاحتياط في اجتناب الجميع ، وعن شرح المقداد : إنّ الناصب يطلق على خمسة أوجه : الأوّل : الخارجي القادح في عليّ ( عليه السلام ) ، الثاني : ما ينسب إلى أحدهم ( عليهم السلام ) ما يسقط العدالة ، الثالث : من ينكر فضيلتهم لو سمعها ، الرابع : من اعتقد فضيلة غير عليّ ( عليه السلام ) ، الخامس : من أنكر النصّ على عليّ ( عليه السلام ) بعد سماعه أو وصوله إليه بوجه يصدّقه ، أمّا من أنكر لإجماع أو مصلحة فليس بناصب ، انتهى. قلت : ولا ريب في نجاسة الخامس والأوّل ، وأمّا الثلاثة فيظهر البحث فيها ممّا مرّ ، لكن ليعلم أنّ الظاهر عدم تعدّد معنى الناصب ليكون مشتركاً ، بل هو على تقدير تسليم التعدّد فيه حقيقة تعدّد مصداق كالمتواطئ ، فهو من المشترك المعنوي ، على أن يكون المراد به مثلا العدوّ لأهل البيت ( عليهم السلام ) ولو بعداوة شيعتهم ، فتأمّل جيّداً.
ثمّ قال في حكم الفرق الشيعية غير الإمامية : ومن جميع ما ذكرنا يظهر لك الحال في الفرق المخالفة من الشيعة من الزيدية والواقفية وغيرهم ، إذ الطهارة فيهم |
|||
|