تنقيح المقال ـ الجزء الثالث عشر ::: 121 ـ 135
(121)
    [ الترجمة : ]
    قد تصدّى الحائري (1) لترجمة حاله إجمالاً ، فقال : يظهر من كتب السير .. وغيرها فضله وجلالته وعلو رتبته.
    وذكر في مجالس المؤمنين (2) شطراً من مقاماته مع المخالفين ، ومناظرته مع
يحيى بن المبارك ، عن بهلول بن مسلم ، عن حفص ، عن أبي عبد الله عليه السلام .. إلى آخره.
    وفي الكافي 5/511 باب حقّ المرأة على الزوج حديث 4 ، بسنده : .. عن ذبيان بن حكيم ، عن بهلول بن مسلم ، عن يونس بن عمار ، قال : زوّجني أبو عبد الله عليه السلام .. إلى آخره.
    وفي المحاسن 2/446 حديث 334.
حصيلة البحث
    المعنون مهمل لعدم ذكر له في المعاجم الرجالية إلاّ أن روايته سديدة.
(o)
مصادر الترجمة
    منتهى المقال : 669 [ الطبعة المحققة 2/180 برقم ( 492 ) ] ، مجالس المؤمنين 2/14 ، روضات الجنات 2/145 برقم 158.
1 ـ في منتهى المقال : 69 الطبعة الحجرية [ الطبعة المحقّقة 2/180 برقم ( 492 ) ].
2 ـ مجالس المؤمنين 2/14 ـ 20
    ومثله في روضات الجنات 2/145 برقم 158 ، فقال في العنوان : العالم العارف الكامل الكاشف عن لطائف أسرار الفنون ، بهلول بن عمرو العاقل العادل الكوفي الصوفي المشتهر ب‍ : المجنون ، اسمه : وهب ، وكان من خواص تلامذة مولانا الصادق عليه السلام ، كاملاً في فنون الحكم والمعارف والآداب ، بل ومن جملة المفتين على طريقة أهل الحق في زمانه ، مقبولاً عند العامة أيضاً ، ويقال : إنّ أباه عمراً كان عم الرشيد كما في تاريخ المستوفي.


(122)
أعداء الدين ، منها (1) : أنّه سمع أباحنيفة يقول : إنّ جعفر بن محمّد عليهما السلام
وفي المجالس : إنّ الرشيد لما أجمع أمره على قمع أثر مولانا الكاظم عليه السلام ، وجعل يحتال في ذلك أرسل إلى حملة الفتيا يستفتيهم عن إباحة دمه المعصوم عليه السلام ، متهماً إيّاه بداعية الخروج ، فأفتوا ـ قاتلهم الله جميعاً ـ بالإباحة سوى البهلول ـ وكان منهم ـ فإنه لقي في سرّه الإمام عليه السلام ، وأخبره بالواقعة ، وطلب منه الهداية إلى طريق النجاة. فأشار عليه السلام بالتجنن في أعينهم وإظهار السفه والهذيان صيانة لنفسه ودينه ، وإقداراً له على إحقاق الحق وإبطال الباطل كما يريد.
    قلت : ويؤيد ذلك ما نقله السيد نعمة الله التستري رحمه الله في حق الرجل في كتابه الموسوم ب‍ : غرائب الأخبار ، قال : روي أنّ هارون الرشيد أراد أن يوّلى أحداً قضاء بغداد ، فشاور أصحابه ، فقالوا : لا يصلح لذلك إلاّ بهلول ، فاستدعاه وقال : يأيها الشيخ الفقيه أعنّا على عملنا هذا ، قال : بأيّ شيء أعينك ؟ قال : بعمل القضاء ، قال : أنا لا أصلح لذلك ، قال : أطبق أهل بغداد على أنك صالح لهذا العمل ، فقال : يا سبحان الله ! إني أعرف بنفسي منهم ، ثم إني في إخباري عن نفسي بأني لا أصلح للقضاء لا يخلو أمري من وجهين : إما أن أكون صادقاً ، فهو ما أقول ، وإن كنت كاذباً ، فالكاذب لا يصلح لهذا العمل .. فألحّوا عليه وشدّدوا ، وقالوا : لا ندعك أو تقبل هذا العمل ، قال : إن كان ولابدّ فأمهلوني الليلة حتى أفكّر في أمري .. فأمهلوه ، فخرج من عندهم ، فلمّا أصبح في اليوم الثاني تجانن ، وركب قصبة ، ودخل السوق ، وكان يقول : طرّقوا .. خلّوا الطريق لا يطأكم فرسي ، فقال الناس : جنّ بهلول ، فقيل ذلك لهارون ، فقال : ما جنّ ، ولكن فرّ بدينه منّا ، وبقي على ذلك إلى أن مات ، وكان من عقلاء المجانين.
    ويؤيد أيضاً صدق هذه النسبة إليه ، ما نقل في أخبارنا المعتبرة من صدور الأمر بالتجنن عن مولانا أبي جعفر الباقر عليه السلام بالنسبة إلى جابر الجعفي ـ وهو أيضاً من حملة أسرارهم الأخيار المقربين ـ حين خروجه إلى الكوفة من خدمة الإمام عليه السلام ، وكان والي الكوفة قد أمر بإرسال رأسه إلى الخليفة لكثرة ما كان ينشره فيهم من مناقب المعصومين عليهم السلام ، فصار ذلك منشأ لخلاصه ، وعذرهم إيّاه بعد شهادة أهل البلد بجنونه ، إلاّ أنّ جنون جابر كان من قبيل الأدواري ، ومختصاً بتلك الواقعة ، بخلاف جنون بهلول المطبق أوقاته طول حياته ، لشدة التقية في زمانه الذي هو إلى أواخر زمان المتوكل الملعون ، بخلافها في زمن الصادقين عليهما السلام كما لا يخفى.
1 ـ ذكر هذه القصة في مجالس المؤمنين 2/14 ـ 15 ، وروضات الجنات 2/147 ، وقال


(123)
يقول بثلاثة أشياء لا أرتضيها : يقول : الشيطان يعذب بالنار ، كيف ؟ وهو من النار. ويقول : إنّ الله لا يُرى ولا تصح عليه الرؤية ، وكيف لا تصح الرؤية على موجود ؟ ويقول : إنّ العبد هو الفاعل لفعله ، والنصوص بخلافه .. ! فأخذ البهلول حجراً وضربه به فأوجعه.
    فذهب أبوحنيفة إلى هارون ، واستحضروا البهلول ووبّخوه على ذلك. فقال لأبي حنيفة : أرني الوجع الذي تدّعيه أولاً ، فأنت كاذب ، وأيضاً فأنت من تراب ، كيف تألّمت من تراب ، ثم ما الذي أذنبته إليك ، والفاعل ليس هو العبد بل الله .. فسكت أبوحنيفة وقام خجلاً.
    وأقول : ينبغي أن يكون ذهاب أبي حنيفة إلى المنصور دون هارون ؛ لأنّ أبا حنيفة مات سنة مائة وخمسين ، ومات المنصور سنة مائة وثمان وخمسين ، ويومئذ لم يكن هارون خليفة ، وإنّما كان الخليفة المنصور.
    ثم إنّه نقل من كتاب الإيضاح (1) لمحمد بن جرير بن رستم الطبري أنّ البهلول
حمدالله المستوفي القزويني ـ من مؤرخي القرن السابع ـ في كتابه ، تاريخ گزيده : 637 ـ 638 ما ترجمته من الفارسية : الشيخ بهلول ، يقال : إنّه ابن عمّ هارون الرشيد ، ذهب في بعض الأيام إلى مجلس الخليفة فقال له ـ وقد بنى قصراً عالياً ـ : يا بهلول ! اكتب شيئاً لهذه البناية والقصر ، فرفع بهلول قطعة فحم وكتب : رفعت الطين ووضعت الدين ، رفعت الجصّ ووضعت النصّ ، إن كان من مالك فقد أسرفت .. واللهُ لا يحبّ المُسرِفين ، وإن كان من مال غيرك .. فقد ظلمت واللهُ لا يحبّ الظالِمين.
    ونقل أيضاً إنّ هذين البيتين لبهلول كتبها على عمارة هارون الرشيد :
تقبّل ايها المأمون نصحي فإنّك ميت من غير شكّ ولا تنظر إلى قصر مشيد كموت أبيك هارون الرشيد
1 ـ حكى القصة في روضات الجنات 2/152 ـ 154 تحت رقم ( 158 ) عن تاريخ الطبري ، عن كتاب الإيضاح بتفصيل أكثر وهو : مرّ بهلول يوماً على بعض زقاق البصرة ، فرأى جماعة يسارعون في المشي أمامه ، فقال لواحد منهم : إلى أين تعدو هذه البهائم


(124)

من غير راع وعاصم ، فأجابه الرجل مداعباً : بأنـّهنّ في طلب العلف والماء ، فقال بهلول : كيف مع قلة الحمى والمنع الشديد ، فوالله لقد كان العلف كثيراً فحصدوه ، والخصب واسعاً فبنارهم أفسدوه ، ثم أنشد :
برئت إلى الله من ظالم ودنت إلهي بحبّ الوصيّ وذلك حرز من الصائبات بهم أرتجي الفوز يوم المعاد بسبط النبي أبي القاسم وحبّ النبي أبي فاطم [ خ. ل : النائبات ] ومن كل متهم غاشم وآمن من نقمة الحاكم
    فلما سمعت الجماعة منه الكلام رجعوا إليه ، وقالوا له : هؤلاء يمشون إلى بيت الوالي محمد بن سليمان بن عمّ الرشيد ، فإنّ عمر بن عطاء العدوي ـ الذي هو من أسباط عمر بن الخطاب ـ ويدعي العلم والفضائل هناك ، ونحن نريد استعلام حاله ، وإن أنت وافقتنا في المناظرة معه إذ ذاك فلنعم المطلوب ، فقال بهلول : يا ويحكم ! إنّ الجدل مع الخاطئ يجرئه على عصيانه ، وربّما يلقي بذلك أرباب البصيرة في الشبهات ، وليس في الله شك ، ولا في الحقّ تشبّه والتباس ، ولو أنّكم كنتم عرفاء بالحقّ لقنعتم بما أخذتموه من أهله ، قال : فلمّا يأست الجماعة منه ، وحضروا المجلس ، قصّوا على ابن سليمان القصّة ، فأمر بشخوصه ، فلمّا قرب بهلول من البيت قام عمر والتمس من الوالي الإذن في مناظرته ، فأذن له ، ثم لمّا ورد بهلول ، قال : السلام على من اتبع الهدى وتجنب الضلالة والغوى ، فقال عمر : وعلى المسلمين السلام ، اجلس يا بهلول ! فقال بهلول : ويح لك ! تأمرني بأمر ليس لك ، وتتقدم فيه على من فضله عليك ظاهراً ، وإنّ مثلك فيه مثل من تطفّل على مائدة ويريد أن يمنّ بها على غيره ، فبهت ابن عطا ولم يتكلّم بعد ، فقال له الأمير : كيف سكتّ من البدو ، وأنت قد سألتني الرخصة في مخاصمته ؟ فقال : أيها الأمير ! ولا بدع في ذلك من أمر الله ، أما قرأت في كلامه تبارك وتعالى : « فَبُهِتَ الذي كَفَر واللهُ لا يهدي القومَ الظالِمين » [ سورة البقرة ( 2 ) : 258 ]. فأشار إليه الأمير بالجلوس ، وقال : إنّ المجلس مني وأنا آذن لك ، فدعا له بهلول ، وقال : عمّر الله مجلسك ، وأسبغ نعمه


(125)

عليك ، وأوضح برهان الحقّ لديك .. إلى آخر ما قال.
    ثم ذكر ما نقله المؤلف قدّس سرّه عنه. وقد أسقط بعد قوله ( بنوعلي أحقّ بالخلافة أو بنوالعباس ) : فسكت بهلول خوفاً على نفسه ، فقال الأمير : ولِمَ لا تتكلم ، فقال : وأنّى يقدر مجنون مثلي لتمييز مثل هذا الأمر ، وتحقيق الحقّ فيه ، دع يا أمير ! ذكر الماضين ، وهات الآن ما فيه صلاح أحوالنا ، وقد غلبني الجوع الساعة ، فقال : فما تشتهيه من المطعوم ، قال : ما تشدّ به فورة جوعي ، فأمر له بألوان من الأدم والطعام ، فلمّا حضرت أشار إليه بالأكل ، فقال بهلول : أصلح الله الأمير ما طاب الطعام المعشى ، ولا المحشي ، فلو أنك أذنتني في الخروج فيهنأني الطعام ، فأذن له .. فأفرغ ما حضر له في حجره ، وخرج من البيت وهو يصيح منشداً شعراً .. ثم ذكر الأبيات الثلاثة ثم قال : فاجتمع عليه الصبيان ونهبوا ما كان معه ، فهرب منهم ، وتحصّن في مسجد كان هناك ، وأغلق عليهم الباب ، وصعد على السطح حتى إذا أشرف عليهم منه جعل يقرأ : « فَضُرِبَ بَيْنَهم بِسُور لَهُ بابٌ باطِنُهْ فِيه الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قَبلِه العَذاب » [ سورة الحديد ( 57 ) : 13 ] فضحك مما أبصر منه محمّد بن سليمان ، ثم أمر بتفرقة الأطفال عنه ، وقال : لا إله إلاّ الله لقد رزق الله علي بن أبي طالب لبّ كلّ ذي لبّ !.
    وفي صفحة : 155 ـ 156 من الروضات من المجلد الثاني ، والوافي بالوفيات 10/310 ، وعقلاء المجانين : 78 ، واللفظ للروضات ، قال : وحكي عن سهل بن منصور ، قال : رأيت الصبيان يرمون بهلول بالحصى ، فأدمته حصاة فقال :
حسبي الله توكلت عليه ليس للهارب في مهربه ربّ رام لي بأحجار الردى مَن نواصي الخلق طراً بيديه أبداً من راحة إلاّ إليه لم أجد بُداً من العطف عليه
    فقلت : يا بهلول ! تعطف عليهم ، وهم يرمونك بالأحجار ؟ فقال : اسكت ! لعلّ الله يطلّع على غميّ ووجعي وفرح هؤلاء الصبيان .. فيسّره فيهب بعضنا من بعض.
    وعن أحمد بن الجواري قال : دخلت الكوفة فرأيت بهلول ، وقد حجز الناس عن الطريق ، فلمّا رآني قال : مرحباً يا أحمد ! أنا بهلول أعرفك بعرفات ، ثم أنشأ يقول :
حقيق بالتواضع من يموت فما للمرء يصبح ذا اهتمام صنيع مليكنا حسن جميل وحسب المرء من دنياه قوت وشغل لا يقوم له النعوت وما أرزاقنا مما تفوت

(126)

فيا هذا سترحل عن قريب إلى قوم كلامهم السكوت
    وقال بعضهم : مرّ بهلول بصبيان الكتّاب ، فجعلوا يضربونه ، فدنوت منه ، وقلت له : ألا تشكوهم إلى آبائهم ؟ فقال : اسكت ! فلعلّي إذا متّ يذكرون هذا الفرح فيقول : رحم الله ذاك المجنون.
    وعن أبي عوانة قال : سمعت أبا علي ، يقول : بلغني أنّ بهلول أصابه الجوع ثلاثة أيام ، ثم فوسوس [ كذا ] إليه الشيطان أنّ في جوارك رجلاً له مال كثير ، فتسلق عليه داره وخذ بدرة ، ثم تب إلى الله تعالى ، أترى الله لا يغفر لك ، فقام بهلول ، فتسلّق داره ، ودخل بيته ، وأخذ كيساً وحمله ، ثم رجع إلى نفسه وأخذ بلحيته ورأسه ، وقال : سوءة لك ، ثم نادى : خذوا اللص يا أهل الدار ! فوثبوا أهل الدار ، وقال : أين اللص ؟ فقال : ها أناذا ؟ فجاؤوا بالسراج فإذا بهلول. فقال: اذهبوا بي إلى السلطان ، فقال صاحب الدار : معاذ الله ! فما الذي حملك .. وألحّ عليه ، فقال : جوع ثلاثة أيام ، ووسوسة الشيطان ، فقال صاحب الدار : يعزّ عليّ أن يصيب مثلك الجوع وأنت جاري .. ثم قدّم له ما يأكله ، ثم أجرى له جراية.
    وفي 2/156 من روضات الجنات : وحكي أنّ بعض الخلفاء قال لبهلول : أتريد أن أحيل أمر معاشك إلى الخزانة حتى لا تكون في تعب منه طول حياتك ، فقال : أرضى به ما أن خلا من معايب ، أولها : إنك لا تدري إلى مَ أحتاج حتى تهيّئه لي ، ثانيها : إنك لا تدري متى أحتاج حتى لا تتجاوزه ، ثالثها : إنك لا تدري مقدار حاجتي حتى لا تزيد عنه ولا تنقص .. فتبتليني ، والله الذي ضمن رزقي يدري جميع هذه الثلاثة مني ، مع أنك ربّما غضبت علي فحرمتني ، والله سبحانه وتعالى لا يمنعني فضله ورزقه ، وإن كنت عاصياً له بجميع أعضائي وجوارحي.
    أقول : ذكر الشيخ الطريحي في المنتخب ما ملخصه : إنّ بهلول بقي إلى زمان المتوكل ، وزار الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام بعد أن هدم المتوكل القبر الشريف وأجرى عليه الماء ، وهذا غريب للغاية ، بعيد عن الاعتبار والتحقيق ، وذلك أن بهلول مات في حدود السنة المائة والتسعين من الهجرة ، والمتوكل العباسي ارتقى منصة الخلافة سنة مائتين واثنتين وثلاثين ، فالتحقيق أنّه إما أن يكون بهلول آخر ، أو أنّ القصة مجعولة لا صحّة لها.
    وفي الأعلام 2/56 قال : بهلول المجنون مات نحو 190 هــ ، بهلول بن عمرو الصيرفي ، أبو وهيب ، من عقلاء المجانين ، له أخبار ونوادر وشعر ، ولد ونشأ في الكوفة ، واستقدمه الرشيد وغيره من الخلفاء لسماع كلامه ، كان في منشأه من المتأدبين ثم


(127)

وسوس فعرف ب‍ : المجنون.
    إسحاق بن الصباح : أكثر الله في الشيعة مثلك ، قال : بل أكثر الله في المرجئة مثلي ، وأكثر في الشيعة مثلك ..
    وقال في الوافي بالوفيات 10/309 برقم 4824 : المجنون بهلول بن عمرو ، أبو وهيب الصيرفي المجنون ، من أهل الكوفة ، حدّث عن أيمن بن نابل ، وعمرو بن دينار ، وعاصم بن أبي النجود ، وكان من عقلاء المجانين وسوس ، له كلام مليح ونوادر وأشعار ، استقدمه الرشيد أو غيره من الخلفاء ليسمع كلامه ، توفي في حدود التسعين والمائة ، قال الشيخ شمس الدين : وما تعرضوا له بجرح ولا تعديل ، قال الأصمعي : رأيت بهلولاً قائماً ومعه خبيص ، فقلت له : إيش معك ؟ قال : خبيص ، قلت : أطعمني ، قال : ليس هو لي ، قلت : لمن هو ؟ قال : لحمدونة بنت الرشيد ، أعطتني آكله لها. وقال محمد ابن إسماعيل بن أبي فديك [ وذكر هذه القصة في عقلاء المجانين : 76 ] : رأيت بهلولاً في بعض المقابر ، وقد دلّى رجليه في قبر وهو يلعب بالتراب ، فقلت له : ما تصنع هاهنا ؟ فقال : أجالس أقواماً لا يؤذونني ، وإن غبت لا يغتابونني ، فقلت : قد غلا السعر بمرة ، فهل تدعو الله فيكشف عن الناس ؟ فقال : والله ما أبالي ولو حبّة بدينار ، إن لله علينا أن نعبده كما أمرنا ، وإنّ عليه أن يرزقنا كما وعدنا ، ثم صفق يده وأنشأ يقول ( من البسيط ) :
يا من تمتع بالدنيا وزينتها شغلت نفسك فيما لست تدركه ولا تنام عن اللذات عيناه تقول لله ماذا حين تلقاه
    .. إلى أن قال في صفحة : 310 : وقال عبد الله بن عبدالكريم : كان لبهلول صديق قبل أن يجنّ ، فلما أصيب بعقله ، فارقه صديقه ، فبينا بهلول يمشي في بعض طرقات البصرة إذا بصديقه ، فلمّا رآه صديقه عدل عنه ، فقال بهلول ( من الخفيف ) :
ادن منّي ولا تخافنّ غدري إنّ أدنى الذي ينالك منّي ليس يخشى الخليل غدر الخليل ستر ما يُتقى وبثّ الجميل
    وفي صفحة : 311 قال : وسأله يوماً علي بن عبدالصمد البغدادي : هل أحدثت في رقة البشرة شيئاً ؟ فقال : اكتب ( من السريع ) :
أضمر أن أضمر حبّي له رقّ فلو مرّت به ذرة فيشتكي إضمار إضماري لخضَّبته بدم جاري

(128)

فقلت له : أريد أرقّ من هذا ، فقال :
أضمر أن يأخذ المرآة لكي فّجاز وهم الضمير منه ينظر تمثاله فأدناها إلى وجنته في الهوى فأدماها
    فقلت : أريد أرقّ من هذا ، أيها الأستاذ ! قال : نعم وما أظنه ، اكتب ( من البسيط ) :
شبّهته قمراً إذا مرّ مبتسماً ومرّ في خاطري تقبيل وجنته فكاد يجرحه التشبيه أو كَلَما فسَيَلَّتْ فكرتي من عارضيه دما
    فقلت : أريد أرقّ من هذا ، فقال : يا بن الفاعلة ! أرقّ من هذا كيف يكون ؟ رويدك لانظر فعسى طبخ في المنزل حريرة أرقّ من هذا.
    وجاء في عقلاء المجانين : 76 : علي بن ربيعة الكندي ، قال : خرج الرشيد إلى الحجّ ، فلمّا كان بظاهر الكوفة إذ بصر بهلولاً المجنون على قصبة وخلفه الصبيان ، وهو يعدو ، فقال : من هذا ؟ قالوا : بهلول المجنون ، قال : كنت أشتهي أن أراه ، فادعوه من غير ترويع ، فقالوا : أجب أمير المؤمنين .. فعدا على قصبته ، فقال الرشيد : السلام عليك يا بهلول ! فقال : وعليك السلام يا أمير المؤمنين ! ، قال : كنت إليك بالأشواق ، قال : لكني لم أشتق إليك ، قال : عظني يا بهلول ! فقال : وبِمَ أعظك ؟ هذه قصورهم ، وهذه قبورهم ، قال : زدني ، فقد أحسنت ، قال : يا أمير المؤمنين ! من رزقه الله مالاً وجمالاً فعفّ في جماله ، وواسى في ماله كتب في ديوان الأبرار ، فظنّ الرشيد أنّه يريد شيئاً ، فقال : قد أمرنا لك أن تقضي دينك ، فقال : لا يا أمير المؤمنين ! لا يقضى الدين بدين ، أردد الحقّ على أهله ، واقض دين نفسك من نفسك ، قال : فإنّا قد أمرنا أن يجري عليك ، فقال : يا أمير المؤمنين ! أترى الله يعطيك وينساني ؟! ثم ولّى هارباً.
    وفي صفحة : 77 من عقلاء المجانين : وروى بإسناد آخر أنّه قال للرشيد : يا أمير المؤمنين ! فكيف لو أقامك الله بين يديه ، فسألك عن النقير والفتيل والقطمير ، قال : فخنقته العبرة ، فقال الحاجب : حسبك يا بهلول ! فقد أوجعت أمير المؤمنين ، فقال الرشيد : دعه ، فقال بهلول : إنّما أفسده أنت وأضرابك ، فقال الرشيد : أريد أن أصلك بصلة ، فقال بهلول : ردّها على من أُخذت منه ، فقال الرشيد : فحاجة ، قال : أن لا تراني ولا أراك ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ! حدّثنا أيمن بن نائل ، عن قدامة بن عبد الله الكلابي قال : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يرمي جمرة العقبة على ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد ، ثم ولّى بقصبته وأنشأ يقول :


(129)
قال لعمر بن عطا العدوي في مجلس محمّد بن سليمان العباسي ابن عمّ الرشيد : لِمَ سمّى جدُّك عمر أبابكر : صدّيقاً ؟! ألم يكن في زمانه سواه صدّيق ؟! قال : لا ، قال : كذبت وخالفت قول الله : « وَ الذَّينَ آمَنُوا بِاللهِ وَ رُسُلِه أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ » (1) ، وحديث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إذا فعلتَ الخير كنت صدّيقاً ».
    قال العدوي : سمّوه صدّيقاً ؛ لأنّه أول من صدّق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. قال : مع أنّ ذلك تخصيص خطأ في اللغة ، ومخالفة للآية ، فغالطه العدوي ، وقال : من إمامك يا بهلول ؟ قال : إمامي من سبّح في كفه الحصى ، وكلّمه الذئب إذ عوى ، وردّت له الشمس بين الملا ، وأوجب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم على الخلق له الولا ، فتكاملت فيه الخيرات ، وتنزّه عن الخلق الدنيّات ، فذلك إمامي وإمام البريّات. فقال العدوي : ويلك ! أليس هارون إمامك ؟ قال : بل الويل لك حيث لم تر أمير المؤمنين لهذه المحامد أهلاً ، وما أخالك إلاّ عدوّاً له ، تُظهر طاعته ، وتُضمر مخالفته ، ولئن بلغه مقالك ليؤدبنّك ..
    فضحك العباسي ، وأمر بإخراج العدوي. وقال لبهلول : ما الفضل إلاّ فيك ، وما العقل إلاّ من عندك. والمجنون من سمّاك مجنوناً ، أخبرني : علي أفضل أو أبوبكر ؟ قال : أصلح الله الأمير ! إنّ علياً عليه السلام من النبي صلّى الله عليه
فعدك قد ملأت الأرض طراً ألست تموت في قبر ويحوي ودان لك العباد فكان ماذا ؟ تراثك بعد هذا ثم ماذا ؟
    وفي صفحة : 79 : قال عبد الرحمن الكوفي : لقيني بهلول المجنون ، فقال لي : أسألك ، قلت : اسأل ، قال : أي شيء السخاء ؟ قلت : البذل والعطاء ، قال : هذا السخاء في الدنيا ، فما السخاء في الدين ؟ قلت : المسارعة إلى طاعة الله ، قال : أفيريدون منه الجزاء ؟ قلت : نعم بالواحد عشرة ، قال : ليس هذا سخاء ، هذه متاجرة ومرابحة ، قلت : فما عندك ؟ قال : لا يطّلع على قلبك وأنت تريد منه شيئاً بشيء.
1 ـ سورة الحديد ( 57 ) : 19. 12


(130)
وآله وسلّم كالشيء من الشيء ، والصنو من الصنو ، وكالمفصل من الذراع ، وأبوبكر ليس فيه ولا يوازيه في فضله إلاّ مثله ، ولكلّ فاضل فاضلة (1). قال : أخبرني بنوعلي أحقّ بالخلافة أو بنوالعباس ؟ فسكت بهلول .. قال : لِمَ سكتّ ؟ قال : ما للمجانين وهذا التحقيق والتمييز ؟ ثم خرج وهو يقول :
إن كنت تهواهم حقّاً بلا كذب إيّاك من أن يقولوا عاقل فطن مولاك يعلم ما تطويه من خُلق فالزم حياتك في جدّ وفي لعب فتبتلى بطويل الكدّ والنصب فما يضرّك إن سمّوك بالكذب
    فقال العباسي (2) : لا إله إلاّ الله ، لقد رزق الله علي بن أبي طالب لبّ كل ذي لبّ. انتهى.
    وقبره رحمه الله ببغداد (*).
1 ـ كذا في الروضات ، وفي الأصل بالصاد : فاصل وفاصلة ..
2 ـ جاء في الطبعة الحجرية : العباس ، ولعلّه من سهو النسّاخ ، والظاهر ما أثبتناه.
(*)
حصيلة البحث
    إنّ من يفرّ بدينه ، ويحرص على إيمانه ، ويمتثل أمر إمام زمانه عليه أفضل الصلاة والسلام بالتجنن بغية الحفظ على عقائده ، ومع ذلك لا يفتأ من الدعاية للمذهب ، ونشر فضائل أهل البيت ، وإرشاد الناس لما فيه صلاح دينهم ، وهو بعد ذلك لا تصدر منه أي منقصة .. لجدير بعدّه من أوثق الثقات ، ومن نوادر الرجال ، فالرجل عندي ثقة جليل ، والرواية من جهته صحيحة ، وإن أبيت فلا أقل من عدّه حسناً ، وحديثه من الحسن كالصحيح. وعليك بالتأمل فيما نقلناه عن المصادر الموثوقة بدراسة مواقفه ، والتأمل في مواعظه ، ثم الحكم عليه بما تتوصل إليه ، والله سبحانه المسدّد.

    جاء في بحار الأنوار 6/23 ـ 26 حديث 26 عن أمالي الشيخ


(131)
    [ الضبط : ]
    قد مرّ (1) ضبط الجزري في ترجمة : بشر بن زادان.
    [ الترجمة : ]
    قال النجاشي (2) : بيان الجزري كوفي ، أبو أحمد ، مولى. قال محمّد بن عبد الحميد : كان خيّراً فاضلاً ، له كتاب أخبرنا أحمد بن عبدالواحد ، قال : حدثنا علي بن حبشي ، قال : حدثنا حميد بن زياد ، قال : حدثنا عبيدالله بن
الصدوق : 26 ـ 29 ، الحديث طويل راجعه إن شئت ، وفي اواخر الحديث اسمه ، ولا تهمنا ترجمته لولا عنوانه من البعض ، إذ لا نعرف له رواية ولا موقف.
    المعنون ممن تاب وأناب من ذنبه فتاب الله عزّ وجلّ عليه على لسان نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلم ، ولا نعرف له رواية.
(o)
مصادر الترجمة
    رجال النجاشي : 88 برقم 285 ، الخلاصة : 28 برقم 3 ، رجال ابن داود : 74 برقم 265 ، الوجيزة : 147 [ رجال المجلسي : 171 برقم ( 301 ) ] ، حاوي الأقوال 3/94 برقم 1058 ، إتقان المقال : 31.
1 ـ في صفحة : 260 من المجلّد الثاني عشر.
2 ـ رجال النجاشي : 88 برقم 285 الطبعة المصطفوية [ وطبعة الهند : 82 ، وطبعة جماعة المدرسين : 113 برقم ( 289 ) ، وطبعة بيروت 1/282 ـ 283 برقم ( 287 ) ].


(132)
أحمد بن نهيك ، قال : حدثنا يحيى بن محمّد العليمي ، قال : حدثنا بيان بكتابه. انتهى.
    وقال في الخلاصة (1) : بيان الجزري (2) ، كوفي أبو محمد ، مولى ، قال محمّد بن عبد الحميد : كان خيّراً فاضلاً. انتهى.
    وقال ابن داود (3) : بيان ـ بالباء المفردة ، والياء المثناة من تحت ـ الجزري أبو أحمد كوفي مولى. ( جش ) [ قال النجاشي : ] قال محمّد بن عبد الحميد : كان خيّراً فاضلاً.
    وفي الوجيزة (4) والبلغة (5) : إنّه ممدوح.
    وعدّه في الحاوي (6) في الحسان (*).
1 ـ الخلاصة : 28 برقم 3.
    وقال في لسان الميزان 2/69 برقم 269 : بيان الجوزي ، كوفي ، يكنى : أبا أحمد ، ذكره ابن النجاشي في مصنفي الشيعة ، وقال : روى عنه يحيى بن محمّد العليمي.
    والظاهر أنّ الجوزي محرف : الجزري.
2 ـ في الخلاصة المطبوعة : الخرزي.
3 ـ رجال ابن داود : 74 برقم 265 [ طبعة جامعة طهران ، وفي الطبعة الحيدرية : 58 برقم ( 269 ) ].
    أقول : كنّاه النجاشي ب‍ : أبي أحمد ، وكناه في الخلاصة ب‍ : أبي محمد.
4 ـ الوجيزة : 147 [ رجال المجلسي : 171 برقم ( 301 ) ].
5 ـ بلغة المحدثين : 337 برقم 14.
6 ـ حاوي الأقوال 3/94 برقم 1058 [ المخطوط : 181 برقم ( 908 ) من نسختنا ] ، وعدّه في ملخّص المقال في قسم الحسان ، وفي إتقان المقال : 31 عدّه في الثقات.
(*)
حصيلة البحث
    إنّ عدّ المترجم في أعلى مراتب الحسن ليس بجزاف ، فهو حسن ، وحديثه يُعدّ حسناً كالصحيح.


(133)
    الترجمة :
    عدّه الشيخ رحمه الله في رجاله (1) من أصحاب الصادق عليه السلام مضيفاً إلى ما في العنوان قوله : نزل المدائن. انتهى.
    وظاهره كونه إمامياً ، إلاّ أنّ حاله مجهول.
    [ الضبط : ]
    وقد مرّ (2) ضبط التفليسي في : بشر بن بيان بن حمراء.

    الذي نسبت إليه البيانية ، زنديق.
    وتقدم شرح حال البيانية عند التعرض للمذاهب الفاسدة من مقباس الهداية (3) ، فلاحظ.
(*)
مصادر الترجمة
    رجال الشيخ : 160 برقم 88 ، مجمع الرجال 1/283 ، نقد الرجال : 62 برقم 2 [ الطبعة المحقّقة 1/340 برقم ( 815 ) ].
2 ـ رجال الشيخ : 160 برقم 88 ، قال : بشر بن بيان بن حمران التفليسي نزل المدائن ، ولكن في مجمع الرجال 1/283 ، ونقد الرجال : 62 برقم 2 قالا : بيان بن حمران التفليسي ، نزل المدائن ( ق ) ( جخ ).
3 ـ في صفحة : 246 من المجلّد الثاني عشر.
4 ـ مقباس الهداية 2/358 من الطبعة المحقّقة.


(134)
تذييل
    قد تضمّنت أسانيد أخبار العامة جماعة من الصحابة .. وغيرهم ، أوّل أسمائهم حرف الباء ، أهملنا ذكرهم لجهالة حالهم عندنا ، مثل :


(o)
مصادر الترجمة
    اُسد الغابة 1/210 ، الإصابة 1/170 برقم 749 ، الاستيعاب 1/71 برقم 226 ، تجريد أسماء الصحابة 1/57 برقم 534.
(*)
حصيلة البحث
    المعنون مهمل لم يبين حاله.
(oo)
مصادر الترجمة
    الإصابة 1/170 برقم 748 ، تجريد أسماء الصحابة 1/57 برقم 535 ، اُسد الغابة 1/210.
(**)
حصيلة البحث
    صحابي مجهول ، لم يتضح حاله لنا.


(135)
    الذي شهد العقبة وأحداً
(o)
مصادر الترجمة
    اُسد الغابة 1/210 ، تجريد أسماء الصحابة 1/57 برقم 536 ، الإصابة 1/171 برقم 750.
(*)
حصيلة البحث
    المعنون ممّن لم يتضح لي حاله ، مجهول.
(oo)
مصادر الترجمة
    اُسد الغابة 1/211 ، الإصابة 1/171 برقم 751 ، وفيه : بهير ـ بالراء المهملة ـ ، ومثله في تجريد أسماء الصحابة 1/57 برقم 537.
(**)
حصيلة البحث
    المعنون ـ سواء أكان بهيز بالزاي ـ أو بهير ـ بالراء ـ فهو غير معلوم الحال.
1 ـ قال في اُسد الغابة 1/211 : بهيس بن سلمى التميمي.
(***)
حصيلة البحث
    المعنون صحابي لم يبيّن حاله.
تنقيح المقال ـ الجزء الثالث عشر ::: فهرس